فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

الحزبية طريق الضلالة
[ 37] [ فاختلف الأحزاب من بينهم ]

الناس العاديون كانوا على الفطرة ، ثم بعد ذلك ظهرت بينهم أحزاب مختلفةو لم يكن هدف تلك الأحزاب ( الحقيقة ) إنما كان هدفهم شيئا آخر وهو ( أنفسهم أو طائفتهم ) ولعله - لذلك ينسب القرآن الاختلافات الى التحزب .

في البداية ينشأ التحزب ثم يتبعه الاختلاف ، فلكي أجمع أنا مجموعة من الناس حولي و لكي يجمع منافسي مجموعة أخرى من الناس حوله ، فلابد أن نخلق نوعا من الاختلاف بيننا حتى أكون أنا شيئا و هو شيئا آخر ، و خيال البشر يستطيع أن يكشف أبدا بعض الفروقات ، و أنيخلق بعض الأمور الخلافية ، لأن الخلاف ليس أصلا إنما هو فرع للتمحور الذاتي . ولكن تتبخر هذه الخلافات التحزبية المصطنعة في يوم القيامة .

[ فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ]

يذكرنا القرآن بأن هذا الخلاف لم يكن خلافا دينيا ، و لم يكن من أجل الله ، إنما كان من أجل شهواتهم و أهوائهم بدليل و صفهم بالكفر ، " فويل للذين كفروا " و عبارة " من مشهد يوم عظيم " تشير الى موقفهم يوم القيامة .

[ 38] [ أسمع بهم و أبصر يوم يأتوننا ]

لو تراهم ولو تسمعهم في ذلك اليوم الذي يأتون فيه الى الله سبحانه لاكتشفت بأن الظالمين في هذه الدنيا كانوا في ضلال مبين ، فبدل أن يبحثوا عن طريقة لانقاذ أنفسهم من نار جهنم ، ومن أهوال يوم القيامة ، فانهم أخذوا يبحثون عن الدنيا و عن بعض الشهوات البسيطة و الانانيات و الخلقيات الضيقة .

" أسمع بهم و أبصر " أي ليكن سمعك و بصرك متوجها إلى هؤلاء في ذلك اليوم حتى ترى و تسمع واقعهم وهم يقفون خائفين مرتجفين في المشهد العظيم أمام الله سبحانه و تعالى .

[ لكن الظالمون اليوم في ظلال مبين ]

إن الظالمين اليوم في ضلال ظاهر يمنعهم عن إحساسهم بذلك عدم تصورهم للمصير و لو تصوروه لما اختلفوا ، بل اتخذوا الدين مقياسا لهم ، و لتحاكموا إليه بدل أن يختلفوا فيه .

[ 39] [ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ]

أعمالهم - أفكارهم - طاقاتهم تذهب سدى ، و يقى لديهم شيء واحد يكون زادهم الى القيامة ، وهو الحسرة و الندامة ، لأنه في ذلك اليوم لا يجدون طريقة للعودة ولا يجدون فرصة أخرى لتصحيح مسيرتهم وإصلاح ما افسدوه من انفسهم .

[ وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ]

لكن الناس اليوم في غفلة عن ذلك اليوم ، وهم لا يؤمنون ، و عندما يزعمون أنهم مؤمنون فانهم يكذبون لأنهم لو كانوا كذلك لما اختلفوا ، و لما تحزبوا ، بل اعتصموا جميعا بحبل الله .

في الحديث الشريف ، أنه يؤتى يوم القيامة بكبش أملح فيوضع بين أهل الجنة و أهل النار ، بعد أن يستقر أصحاب الجنة في نعيمهم و أًصحاب النار في جحيمهم ، فينادي المنادي يا أهل الجنة هل تعرفون هذا الكبش ؟ إنه الموت ، فيذبح ، فآنئذ تكون الحسرة الكبرى لأهل النار لأنهم لا يموتون فيتخلصون من العذاب ، ولا يخفف عنهم العذاب فيستريحون ، وإنه لو ظل الموت موجودا في الآخرة لمات أهل الجنة فرحا بنقل الموت عنهم و بقاءهم خالدين في الجنة ، و لمات أهل النار حسرة على خلودهم في النار .


الله الوارث :

[ 40] [ إنا نحن نرث الأرض و من عليها وإلينا يرجعون ]هذه الأرض وما عليها من مباهج و متع ليست لهم ، انها بالتالي تعود إلينا فنحن الوارثون لها ، و هم بدورهم يعودون إلينا ليحاسبوا فلماذا التحزب والاختلاف من أجل هذه المتع الزائلة ، من هنا نقول : إن الخلافات البشرية خصوصا تلك التي تتقولب ضمن الأديان و الرسالات الساوية يجب أن ننسفها بطريقتين :

الطريقة الأولى : بتذكرة الناس بربهم ، ليؤمنوا بخالق الكون .

الطريقة الثانية : بتذكرة الناس بيوم القيامة .

ولو عرف الناس ربهم لأنتهى الخلاف النابع من الجهل ، و لو عرف الناس أنهم سيبعثون في القيامة لانتهى الخلاف النابع من الجهالة ولأن الخلاف اما يأتي من الجهل واما من الجهالة ، لا غيرهما فانه يتلاشى مع معرفة الله و الايمان بالآخرة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس