فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

بينات من الآيات
[ 41] [ و اذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا ]

كان إبراهيم قدوة و كان صديقا ، صدق بكل ما أنزله الله ، ان بعض الناس يصدقون و يعملون بما أنزل الله ولكن بشرط أن لا يتعارض و مصالحهم ، اولا يكون صعبا ، بينما إبراهيم كان صديقا آمن بكل ما أنزله الله من هدى و برامج برغم كل الضغوط و الصعوبات ، و كان نبيا مرسلا من قبل الله .

[ 42] [ إذ قال لأبيه يأبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ]لقد وصل إبراهيم بفطرته و بهدى ربه الى نتيجة وهي : إن عبادة الآلهة الحجرية خطأ لأنها لا تبصر ولا تسمع ولا تستطيع أن تفعل شيئا .

في كثير من الأوقات يصل أبناء البشر الى نقطة محورية فطرية واضحة و لكنهم بعدئذ يتركون الأمر ، ولا يفكرون تفكيرا جديا في متابعة ما توصلوا إليه ، بل كل إنسان يعيش في مجتمع فاسد تبرق له بعض الأحيان من هدى ربه بارقة هدى ، لو سار وراءها لاهتدى ، ولذلك نرى إن هؤلاء الذين يعيشون في أقاصي الأرض بعيدين عن هدى الرسالات الالهية ، تبقى لله عليهم حجة تتمثل في انهم في بعض لحظات حياتهم يصلون الى بعض النتائج الأولية ، و يجب أن تكون لديهم الشجاعة الكافية للأستمرار في الأخذ بها و البحث عما وراءها ، أما إذا كانواجبناء فلله عليهم حجة ، لماذا جبنوا و لماذا لم يهتدوا بنور عقلهم حين أضاء لهم الطريق ؟

بعد رحلة قفل أبو ذر الغفاري راجعا الى قبيلته ، وإتجه الى صنمها يتبرك به كعادتهم حين يعودون من سفر يبدأون بأصنامهم فبرقت في نفسه بارقة هدى ؟! فسأل نفسه : إن الصنم ليس إلا صخرة صماء ، فلماذا أعبد الحجر الأصم ؟ وما عساه أن يفعل بي ؟ فقرر أن يجربه ، ففكر في خطة بأن يضع أمام الصنم شيئا من الطعام و الشراب ، فاذا أكل و شرب فلابد أنه على حق و هكذا فعل ، فوضع أمامه قدحا من اللبن و جلس عنده ناحية يراقب ، فلم يطعم الصنم شيئا فقال : ربما يخجل مني ، فذهب واختبأ وراء صخرة و أخذ يراقبه ، و بعد فترة إذا بثعلبان يأتيان و يشربان اللبن ، ثم يتبولان على الصنم و يغادران المكان دون ان يمسهما الصنم بأذى فأنشد أبو ذر يقول :

أرب يبول الثعلبان برأسه لقد هان من بالت عليه الثعالبفترك عبادة الأصنام .

إن مثل هذا المشهد كان يتكرر عند كثيرين في التأريخ الجاهلي ، ولكن لم يكن أحدهم يمتلك شجاعة أبي ذر ، لذلك فأنهم كانوا يسايرون الأوضاع الفاسدة ولا يجدون في أنفسهم حرجا من ذلك ؟

إن الانسان قد يفكر تفكيرا حرا وعلى أثر تفكيره هذا يكتشف إنحرافا كبيرا فيهتدي بسببه الى كل البرامج الرسالية ، فاذا عارضه والداه في تلك النقطة ستنكشف له سائر النقاط و تصبح هذه النقطة البسيطة بداية لمسيرة طويلة ، هكذا نجد إبراهيم يقول لوالده : "يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا " ..

وحينما اكتشف إبراهيم تلك النقطة تشجع و استمر في محاولات الكشف ، فكشفت له نقطة أخرى و هي : إن إتباعه لأبيه خطأ ، لأن أباه يعبد صنما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا .

إن هذه قفزة جديدة لا يصل إليها الانسان عادة ، خصوصا الانسان الذي يعيش في جو عائلي مغلق يفرض عليه إتباع والده ، لكن إبراهيم و صل الى تلك القفزة بشجاعته و باتباعه لفطرته ..


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس