فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

ولاية الشيطان
[ 43] [ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ]

إن مقياس الطاعة و التقليد هو العلم ، فاذا كنت أنا أعلم منك فلابد ان تكون أنت الذي تطيعني و ليس العكس ! ..

[ فاتبعني أهدك صراطا سويا ]

واجه إبراهيم (ع) أباه بهذه الشجاعة ، حيث طلب منه أن يتبعه لأنه يمتلك العلم ، و هذه إشارة بأن الاعتبار الأول في القيادة العلم ، و ليس شرطا عمر القائد أو منزلته .

[ 44] [ يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصيا ]عــرض إبراهيــم على أبيه في البداية أن لا يعبد الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ، وهنا يقول له : لا تعبد الشيطان ، فالشيطان هنا هو الذي يتجسد لهم على صورة صنم ، او على شكل و ساوس نفسية فيزين لهم عبادة غير الله ، و مادام الشيطان عصيا لله ، فهو - بطبيعة الحال - لا يهدي الى سبيل الرشاد ، بل يقود الناس على ما هو عليه من العصيان .

لماذا وضــع الله كلمــة ( الرحمــن ) في مقابل الشيطان ، و لم يضع مثلا " الرب " ؟ ربما لكــي يوضــح حقيقة هامة ، وهي إن الشيطان هو حالة ضد الرحمة و نقيض لها .

و عموما فليس المقصود من عبادتهم الشيطان مجرد عبادة الصنم الذي لا يضر ولا ينفع ، بل المقصود أيضا عبادة الشيطان المتمثل في الطواغيت او سدنة الأصنام الذين ينتفعون مباشرة من عبادة هؤلاء .

[ 45] [ يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا ]إن الانسان الذي يريد أن يجمع بين الحق و الباطل ، بين الهدى و الضلال ، بين الخير و الشر ، فانه سيجد أن الخير و الهدى قد تبخرا ولم يبق معه سوى الشر و الضلالة ، إذ لا يمكن أن يجتمع عند الانسان الخير و الشر معا ولابد أن يذهب أحدهما وإذا تمادى البشر فيعبادة الشيطان فان الله يسلب منه ضوء العقل فيصبح وليا للشيطان الى الأبد ، وهذا عذاب عظيم يمس الذين يتبعون الشيطان .

ولعل الآية تنفي - بصورة إيحائية - فكرة ضالة يبثها الشيطان في روع تابعيه خلاصتها : إن الله يبغضه وإنما الشيطان يحميه من غضب الرب .. و يسفه السياق هذا الزعم .

أولا : بأن الله هو الرحمن . ولا يبغض أحدا لذاته بل بسبب فعاله القبيحة .

و ثانيا : إن إتباع الشيطان عذاب و شر مستطير و ليس فيه أية فائدة .

هذا هو حوار إبراهيم الذي يتميز بعدة سمات :

أولا : إنه حوار هادىء .

ثانيا : إنه يتدرج و يتصاعد شيئا فشيئا ، ففي البداية يقول لم ؟ ثم يقول لا تعبد ، ثم يقول إتبعني ، ثم يقول : إنه يخشى أن تكون وليا للشيطان .

في الواقع إن عم إبراهيم الذي يخاطبه إبراهيم (ع) بالأب لأنه كان يعيش في بيته كان فعلا وليا للشيطان ، بيد إن إبراهيم لم يجابهه بالحقيقة مرة واحدة ، ولكن لننظر الى الآخر ماذا يقول في حواره ..


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس