فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

الآخرة حصاد الدنيا
هدى من الآيات

الاسرة الفاضلة في الدنيا هي الاسرة التي تصنع في بيتها جنة معنوية تشبه الى حد بعيد جنات عدن في الآخرة . ومن عاش في الجنان في الدنيا فحري به ان يعيشها في الآخرة ، فجنة الآخرة توفر للانسان الراحة الروحية و الرفاه الجسدي ، و كذلك الاسرة الفاضلة في الدنيا ، أما الراحة المعنوية فهي السلام ، البعيد عن اللغو ، و الذي هو قمة تطلع الانسان في الحياة ، فحين لا يوجد ألم و لا مرض ولا خوف ولا حزن ولا عقد نفسية ولا حسد ، وما الى ذلك مما تنغص حياة الانسان ، فآنئذ يعيش الانسان في جو من السلام يشمل العافية بكل أبعادها و النجاة من الأخطار جميعها .

و يوم القيامة يدخل ربنا سبحانه المتقين جنة السلام الخالدة ، لان المتقين قد ابتعدوا عن كل ما يسبب لهم انحرافا أو فسادا في الدنيا ، فالآخرة حصيلة الدنيا و أنعكاس لها ، و حسب ما يفيدنا القرآن الحكيم : ان الآخرة هي إرث الدنيا فما تعمل في الدنيا ترثه في الاخرة .

ان الصفات السيئة لها جزاء في الدنيا و جزاء في الآخرة ، فنار الحسد تأكل الانسان في الدنيا مرة ، و في الآخرة مرة ، و ثعبان الحقد يلدغ الانسان في الدنيا بطريقة ، و يلدغه في الآخرة بطريقة اخرى ، و في الآخرة يرى الانسان الحقد في صورة ثعبان عظيم أو عقربة ضخمة تلدغه ، ٍأما في الدنيا فان ذات الحقد يلدغ قلب الانسان ، و لكن دون أن يتجسد في ثعبان ظاهر ، ولا فرق بين أن يلدغ جسمه هناك أو يلدغ قلبه هنا . و هكذا سائر الصفات " ومن كان في هذه اعمى فهو في الآخرة اعمى و اضل سبيلا " .

و هكذا نعلم بأن جهنم الآخرة انعكاس لجهنم الدنيا ولا أقول : ان جهنم هناك رمز لجهنم هنا كلا .. لان عذاب جهنم في الآخرة أشِد ألما و أشد ظهورا و هي حصيلة هذه و حصاده ، من هنا تاتي آيات القرآن تعبر لنا عن الإرث ، فما هو الارث ، ؟ أليس يعني : أن تعمل ثم يأتي الآخرون ليأخذوا نتيجة عملك بعد ما تموت ، و قد لا يأتي انسان آخر ليأخذ ارثك و انما تكون أنت نفسك بعد موتك تأخذ ما كسبت ، و هذا نوع آخر من أنواع الارث " ونرثه ما يقول و يأتينا فردا " .

هناك شبهة عميقة الجذور في فكر الانسان ، تقول بأنه كيف يمكن للانسان ان يبعث من بعد الموت ؟

ان مصدر هذه الغرابة جهل الانسان ببداية خلقه ، فلو عرف الانسان كيف خلقه الله و ماذا كان قبل ذلك ، و لو تذكر الانسان أنه كان نطفة في صلب أبيه أو مضغة في رحم أمه أو طفلا وليدا لا يتجاوز وزنه (3) كيلو غراما ، لو تذكر كل ذلك آنئذ يتحسس بأن الذي خلقه ورباه قادر على أن يحيله الى تراب ثم يخلقه مرة اخرى .

ان تذكر هذه الحقيقة بصورة مستمرة يرفع عن الانسان حجاب الغفلة عن الآخرة .

ان شبهات الجهل في قلب الانسان تشبه ( الفطر ) الذي يتكاثر باستمرار ، هذه هي طبيعة الشبهة الناتجة عن الضعف البشري ، أنت تجوع و تشبع ، ثم تجوع فتشبع .. و هكذا تحتاج ابدا الى الطعام حتى تمنع عن نفسك الجوع ، لماذا ؟ لان الجوع من طبيعتك ، كذلك الشبهات في قلب الانسان .. هي من طبيعته ، اذ طبيعة الانسان الجهل و الغفلة و النسيان . فاذا قرأت كتابا ثم لم تعد قراءته ، أو سمعت خطابا ثم لم نستمع اليه مرة أخرى ، فانك بمرور الزمان تنسى ما قرأت وما سمعت ، لان الجهل و الغفلة من طبعك ، كذلك الشبهات من طبيعة الانسان ، لذلك على الانسان ان لا يكتفي بدفع الشبهات عن نفسه مرة واحدة ، لانه اذا رفعها عادت و نمت نفس الشبهة .

اذا يحتاج الفرد الى مبضع يقوم بواسطته بعملية جراحية مستمرة اقلع الخلايا السرطانية الفاسدة التي تتكاثر في قلبه ، و ذلك عن طريق التذكر المستمر .

وهكذا يوجهنا القرآن الحكيم في مجال الحديث عن البعث الى ان نتذكر ابدا ، كيف كنا ؟ و كيف خلقنا ؟ و كما كنا و خلقنا و ترعرعنا ، كذلك يعيدنا الله سبحانه مرة أخرى .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس