فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
وعد الرحمن
[ 60] [ إلا من تاب و ءامن و عمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا ]
يبين القرآن في هذا السياق ثلاث مراحل مر بها المجتمع :
مرحلة الرواد و القادة و هم ( الانبياء ) و مرحلة الانحراف بعدهم الذي قال عنه ربنا في آية اخرى : " فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة " ، و من رحم هذا الجيل جاءت طائفة مثلت المرحلة الثالثة حيث أنهم تحدوا سلبيات هذا الجيل الفاسد و تابوا و أصلحوا ، فهيء الرب لهم الجنات .
[ 61] [ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ]
ان الجنات لا ترى بالشهود ، بل بالغيب و قد قلت في حديث مضى : ان الطالب الذي يجسد امام ناظريه قاعة الامتحان ، و التاجر الذي يتصور يوم خسارته ، و الجندي الذي يتخيل في ذهنه ساحة المعركة ، ان هؤلاء انفع من غيرهم ، و هكذا الحياة كلها و القرآن الحكيم يقول : " وعد الرحمان عباده بالغيب " فالرحمان برحمته الواسعــة يــريد ان يرحم عباده الذين خلقهم فجعل لهم جنة كبيرة مليئة بالطيبات و النعم ، ولكن بشرط ان يؤمنوا بها بالغيب .
[ إنه كان وعده مأتيا ]
مادام ذلك الوعيد هو وعد الله فهو لا ريب آت .
[ 62] [ لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ]
اللغو هو الانحراف مثل السب و الفحش ، و الجدل ، و كل ما يعكس حالة العداء بين الناس ، و يقابله السلام ذلك النور الذي يضيء الجنة وإن أول وأهم تجليات السلام هــو ســلام القلب حيث يعيش الجميع في ظل رب السلام يشربون من كأس السلام ، و يسرحون في وادي السلام ، ويسمون الى افق السلام ، ولا يبقى غل في قلوبهم ، ولا طمع ولا حسد ، واذا التقى بهم خزنة الجنة حيوهم بالسلام :
" ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود " (34/ق)
و ربهم سبحانه يحييهم بالسلام :
" سلام قولا من رب رحيم " ( 57/يس )
و سلام القلب يعكس سلامة الاعضاء و العافية من جميع الأخطار الحالية و المستقبلية .
[ و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا ]
يظهر من هذه الآية و من النصوص ان افضل و جبات الرزق ما كان أول النهار و آخره (1) .
و لعله في الجنة يتبدل الوقت الى ما يشبه الليل و النهار بازدياد النور و نقصه و نتسائــل : اليست الجنة تفيض ابدا بالنعم ، فلماذا إذا الرزق بكرة و عشيا . و الجواب : ان المؤمن يزداد رزقا كل يوم و يسير نحو التكامل هناك ابدا .
فقد جاء في حديث نبوي شريف و تعطيهم طرف الهدايا من الله لمواقيت الصلاة التي كانوا يصلون فيها في الدنيا (2) .
[ 63] [ تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ]الجنة ميراث العباد الذين قاموا باكتسابها في الدنيا عن طريق التقوى .
[ 64] [ و ما نتنزل إلا بامر ربك ]
لا تنزل الملائكة من السماء الى الارض الا بأمر الله و حكمته ، كما جاء في(1) راجع تفسير نور الثقلين / ج 3 / ص 351
(2) روح المعاني / ج 16 / ص 103
الحديث : ان النبي صلى الله عليه وآله و سلم قال لجبرئيل :
" ما منعك ان تزورنا اكثر مما تزورنا ؟ "
فنزلت الآية : " وما نتنزل الا بأمر ربك " ، و هذه الآية توحي بأن الوعد الذي وعد الله سبحانه و تعالى عباده بالغيب انما هو وعد أكيد اثبته القرآن ، لا ينزل الا بأمر الله سبحانه .
[ له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ]
ان الله تعالى هو الذي وعد و ليس ( الملائكة ) التي وعدت ، وانما الملائكة رسل لله تأتي بالوعد الى البشر ومن ثم فان الله لا ينسى وعده .
[ وما كان ربك نسيا ]
الله سبحانه و تعالى وعدكم وهو يعلم و عده و سيفي لكم به ، ولو كان ربنا سبحانه ينسى ، اذا لأختل نظام الكون ، و لما استطاع ان يلبي نداء الكائنات ، و لما استطاع ان يحفظ جزاء المحسنين ، أو يميز المحسن من المسيء حين لقائه .