فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

وإن منكم إلا واردها .. ثم ننجي الذين اتقوا
هدى من الآيات

الآخرة صورة مصغرة عن الدنيا من أعمال و تصورات و أفكار ، و القرآن الحكيم حين يعرض لنا مشاهد الآخرة فأنه يشير إلى تلك الحقائق التي صنعت هذه المشاهد لكي يقرب فهم الانسان من واقع عمله في الدنيا ، و كيف يتحول الى شيء حي في الآخرة .

و القرآن الحكيم في هذا المشهد الرهيب يبين لنا : كيف ان العلاقات التي كانت في الدنيا تتطور و تتغير لتتجسد في الآخرة ، فتصبح هنالك شيئا آخر و بالتالي تحدد طريق الانسان اما الى الجنة أو الى النار .

إن الرجل الذي تتبعه و تطيعه في الدنيا سوف يكون إمامك اما الى الجنة أو الى النار ، و يركز القرآن في هذه الآيات حول أولئك الذين يهدون الناس الى النار ، إذ لابد أن نتفكر جيدا لكي لا نربط مصيرنا بالبعض بصورة عفوية ، ومن دون تفكير .

ثم يحدد القرآن لنا جانبا من واقع الآخرة وإرتباط الدنيا بذلك الواقع وهو : إن الدنيا تحتوي على خير و شر ، صلاح و فساد ، فالخير و الصلاح يتحولان في الآخرة الى جنة و نعيم أما الشر و الفساد فيتحولان الى عذاب شديد ، و من اتقى في الدنيا الشر و الفساد ،و ابتعد عنهما بالرغم من انهما كانا يحومان حوله و يحوم حولهما ، فانه في الآخرة يدخل نار جهنم ولكنه يخرج منها بسرعة .

القرآن الحكيم يوضح لنا حقيقة فيقول : إن الناس جميعا سوف يدخلون نارج جهنم لأنهم جميعهم في الدنيا كانوا قريبين من الشر و الفساد ، لذلك تجدهم في الآخرة قريبين من نتائجهما ، و لكن الذي ابتعد عنها عمليا في الدنيا فأنه يستطيع أن ينقذ نفســه مــن نتائجهما عمليا في الآخرة ، ومن لم يفعل ذلك فان شر جهنم سوف يحيط به .

لنتصور الشر الذي يقوم به الانسان في الدنيا ، حين يؤذي الناس ( بلسانه - بقلمه - بعمله ) فأن اعماله هذه تتحول في الآخرة ، الى حية حجمها بقدر حجم الأذية التي سببها للآخرين في الدنيا ، و عندما يأتي الانسان في يوم القيامة يتحتم عليه أن يعبر جهنم لكي يدخل الجنة و في حالة عبور يلتقي بصاحبته تلك الحية . .

إذن دعنا نتصور ان الحياة الدنيا هي نفسها الآخرة ، إلا أنها في الآخرة أكبر .

و هنالك فكرة تذكر بها هذه الآيات و هي : إن بعض الناس يحسبون ان النعم التي يوفرها الله لهم دليل على إنهم قريبون منه سبحانه ، فاذا لم يكن الله يحبهم فلماذا أعطاهم القوة و المال و الأولاد و الجاه و الجمال و الحيوية ؟!

هناك آيات كثيرة من القرآن تنفي هذه الفكرة و تقول : كلا .. إن النعم التي يسبغها الله على الانسان في الدنيا قد تكون بسبب رضا الله عنه ، و قد تكون بسبب سخطه عليه ، وإن الذي يكفر و يظلم ، يوفر له النعم حتى يستدرجه أكثر فأكثر فيأخذه مرة واحدة ، اما العذاب في الدنيا ، وأما العذاب في الآخرة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس