فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

المقاييس المادية
[ 73] [ وإذ تتلى عليهم ءاياتنا بينات قال الذين كفروا للذين ءامنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ]هنا يعالج القرآن مشكلة نفسية أخرى وهي مشكلة تقييم الحقائق بالماديات ، فقد تتلى آية من القرآن على إنسان فلا يستمع إليها باعتبارها آية قرآنية نزلت من السماء ، لماذا لأن الذي يتلو عليه تلك الآية رجل فقير ، فيقول في نفسه : كيف أسمع كلامه ؟! في الحقيقةأنت لا تسمع كلامه ، وإنما تسمع كلام الله ، و هكذا فهو يقيم(1) نور الثقلين / ج 3 / ص 353

(2) المصدر / ص 354


الحقائق بحسب وضعه المادي ، و يقول : أي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا .

خير مقاما : يعني أحسن مكانا ، و أكثر نديا : أكثر اصحابا و جماعة .

[ 74] [ و كم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورءيا ]لقد أهلكنا كثيرا من الأمم السابقة بالرغم من أنهم كانوا يمتلكون الأمتعة و مظاهر الأبهة و العظمة ، لأنهم لم يفكروا أو يعتبروا .

إن الحقائق تقاس بذاتها لا بما يملك الانسان من ماديات و مظاهر ، وإن هذه المظاهر ليست دليلا على ان الله يحب صاحبها أو أنه يرضى بعمله .

[ 75] [ قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ]إن الله يمد في ضلالة الانسان الضال ، بامداده بالنعم ، حتى يفقد الأمل في العودة الى الهداية ، آنئذ يأخذه مرة واحدة أخذ عزيز مقتدر .

[ حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ]

أما عذابا بئيسا في الدنيا أو عذابا بئيسا في الآخرة .

[ فسيعلمون من هو شر مكانا و أضعف جندا ]

آنئذ يعلمون بأن أموالهم و أولادهم لا تغني عنهم من الله شيئا ، كما أن أصحابهم و جنودهم و رجالهم لا يغنون عنهم من الله شيئا إذا حانت ساعة الثورة ، وأحاط بهم العذاب على يد المستضعفين في الدنيا ، أو سبق الأجل ثورة المستضعفين فأخذهم الى نار جهنم ، حينئذ سيعلمون عاقبة الغرور بالدنيا و زينتها . إن فخر الانسان و مباهاته يجب أن يتأخر الى الآخرة ، وإذا خطر بباله أن يغتر بالدنيا فعليه أن ينهى نفسه عن ذلك و يقول لها : إنتظري الى يوم القيامة ، حينما تكون الجنة من نصيبك فآنئذ يحق لك الأفتخار و الأختيال أماإذا رموك مثلما ترمى القمامة في نار جهنم فهل تستطيع في هذه الحالة أن تدعي لنفسك شرفا ؟ كلا .. انه في نفس الوقت الذي يمد الله في ضلالة الضالين فانه يمد في هداية المهتدين بهداه ، و هذا هو الفرق ، فانك إذا أصبحت مهتديا فان الله يزيدك هدى ، أما الانسان الضال فان الله يزيده شهرة واموالا و أنصارا و يملي له الى حين .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس