فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
وقالوا إتخذ الرحمن ولدا
هدى من الآيات
في الدرس الأخير من سورة مريم يذكرنا القرآن بسلسلة من الحقائق ، تلك التي ذكرت بها الدروس السابقة ، و هي تصلح علاقتنا بالناس و الأشياء و أبرزها :
تذكرة الانسان بيوم القيامة ، حيث يحشر المتقون مكرمين الى ربهم و فدا ، بينما يساق المجرمون الى جهنم ليردوها وردا ، وهذه التذكرة ليست تذكرة عقائدية فحسب ، وإنما تخلق أيضا معادلة في فؤاد الانسان ذلك لأنه ، إذا عرف الانسان بداية شيء و نهايته ، فانه يعرفه بصورة أفضل ، و بدون ذلك فان معرفته تكون ناقصة .
وإذا عرف الى أين تنتهي حياته الدنيا ، وما هو مصيرها فانه يكون قد حصل على معرفة عميقة بها ، فيتعامل معها معاملة سليمة ، علما بأن آيات سورة مريم : كما الكثير من آيات القرآن - تهدف فيما تهدف - جعل علاقة الانسان بالحياة الدنيا علاقة سليمة .
و تشير آيات هذا الدرس الى فكرة نفي الشرك ، و بالذات فيما يرتبط برفض فكرة الولد ، ولعل الحكمة في ذلك أن فكرة الولد هي التي تكمن وراء النزعة العنصرية وهي من العلاقات الشاذة بين الانسان و بين الآخرين .
إن الانسان الذي يحسب نفسه إبنا لله ، أو يحسب آباءه هكذا ، تكون علاقته بآبائه و جماعته و عشيرته شاذة ، تتمحور حول ( الشيء ) ، بينما القرآن الحكيم يهدف تحرير الانسان من العلاقة ( الشيئية ) في الحياة ، سواء كانت العنصرية أو العصبية اللتان هما من أبرزالعلاقات الشاذة بين الانسان و بين الآخرين . أو غيرهما من العلاقات الشيئية التي تخالفها علاقة القيم المعنوية التي تؤكد أنه ليس هنالك علاقة بين الله و الانسان سوى علاقتين ، علاقة الخلقة ، أي أن الله خلقنا و نحن عبيده ، و علاقة الايمان و العمل الصالح ،و بالتالي علاقة القيم ، أما أية علاقة أخرى كعلاقة الأنتماءات العصبي الجاهلي ، فانها مرفوضة في الاسلام .
يذكرنا القرآن بهذه الفكرة ، ثم ينطلق بنا الى آفاقها البعيدة فتبين إن الانسان عبد داخر لله ، وإن كل من في السماء و الأرض آت للرحمن عبدا ، ويوم القيامة تسقط كل الأنتماءات و العلاقات . و يحشرون الى ربهم أفرادا لا جماعات عنصرية أو عصبية . لنتصور ذلك اليوم .. و لنبرمج حياتنا وفقه .
فلان إبن من ؟ أخو من ؟ ينتمي الى من ؟ لنحذف كل هذه الكلمات من حياتنا ، لكي نرى الحقيقة ، التي تتلخص في أن الانسان إبن عمله وإبن إيمانه فقط ، أما الأنتماء الاخرى ، فانها جميعا باطلة و ليست بحقيقة .
و أخيرا تذكر الآيات بأن القرآن جاء لكي ينذر الانسان ، ولكن من الذي يستفيد من نذر القرآن ؟ إنهم المتقون ، أما المعاندون الذين قرروا سلفا : عدم الايمان بآيات القرآن ، ولم يخشوا المستقبل ، ولم يهدفوا خلاص أنفسهم و نجاتها منالعذاب ، فان هؤلاء لن يستفيدوا من نذر القرآن و مواعظه ، و سيكون مصيرهم مصير تلك القرون ، التي هلكت ولم يعد يسمع لهم صوتا عاليا أو خفيا .