فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

الضروريات الرسالية
هذه هي طلبات موسى وفي نفس الوقت هي خطط موسى :

[ 25] [ قال رب اشرح لي صدري ]

اجعل صدري واسعا شرحا لا أتهيب الصعاب التي قد تواجهني في الطريق ، اني أعلــم بأن حمل الرسالة عملية صعبة لذلك فأنا أحتاج الى صدر يسع كل مشاكل التبليغ و يزيد .

[ 26] [ و يسر لي أمري ]

لعل موسى (ع) كان يرى إن فرعون يصعد الموقف مما يدفع بموسى (ع) الى التصعيد أيضا - خصوصا - وان موسى (ع) كان مشهورا بالغضب في الله ، فكان يريد أن تمشي المسائل بهدوء بدون حاجة الى العنف .

هذا من ناحية و من ناحية ثانية فان موسى (ع) كان يدرك خطورة و صعوبة المسؤولية على عاتقه ، فكان يريد التيسير في أموره ، و رفع الثقل جراء حمله الرسالة .

هذا إذا علمنا أن الانسان الذي يحمل هموما كثيرة بسبب عمله لن يفلح أثناء عمله ، لأن الهم و الاحساس بثقل العمل يثبط الانسان عن العمل ، فلذلك أراد موسى أن يزيل هموم عمله بدعائه لربه لتيسير عمله .. الذي يعني الاستعداد للقيام بدور أكبر ..

[ 27 - 28] [ و احلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي ]

كلمة اللسان هنا ربما تعبر عن الاعلام ، فموسى (ع) كان يطمح الى اعلام قوي يدخل في الأعماق ، و ربما هذه الفكرة ماخذوة من قوله " يفقهو قولي " و بمعنى آخر إن موسى يطمح الى شيئين :

الشيء الأول : قوة الاعلام الذاتية ، و هذا لا يتم إلا بمعرفة منطق الناس ، كما قال رسول الله (ص) : " نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم " و هذه الفكرة يدل عليها قوله : " و احلل عقدة من لساني " و هي التي تدل عليها الرواية التالية .

الشيء الثاني : خلق التأثير أو بمعنى آخر انه طلب من الله أن يلهم عقولهم التفهم لرسالته ، و كأن موسى يدعو لهم بالعقل : و هذا ما تدل عليه الجملة الثانية " يفقهوا قولي " .

جاء في تفسير القمي عن الامام الباقر (ع) : " و كان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل كلما يلدون ، و يربي موسى و يكرمه ، و لا يعلم ان هلاكه على يديه ، ولما درج موسى كان يوما عند فرعون ، فعطس فقال : الحمد لله رب العالمين ، فانكر فرعون ذلك و لطمه و قال : ما هذا الذي تقول ..؟ فوثب موسى (ع) على لحيته و كان طويل اللحية فهبلها - أي قطعها - فألمه ألما شديدا ، فهم فرعون بقتله ، فقالت له امرأته : هذا غلام لا يدري ما تقول ، فقال فرعون بلى يدري ، فقالت : ضع بين يديك تمرا و جمرا ، فان ميز بين التمر و الجمر فهو الذي تقول ، فوضع بين يديه تمرا و جمرا ، و قال له : كل فمد يده الى التمر فجاء جبرئيل فصرفها الى الجمر فأخذ الجمر في فيه فاحترق لسانه ، و صاح و بكى ، فقالت آسية لفرعون : ألم أقل لك انه لم يعقل .. فعفا عنه " . .

هكذا أضحى موسى (ع) منذ ذلك اليوم ألثغا .

[ 29 - 30] [ و اجعل لي وزيرا من أهلي * هارون اخي ]لقد كان هارون أكبر سنا من موسى ، و كان جلال النبوة ظاهرا على محياه ، و كانت مهمات موسى عظيمة ، اذ لم تقتصر على تبليغ رسالات الله فحسب ، بل وايضا مقاومة طاغوت متجبر كفرعون ، و إنقاذ شعب مستضعف ثم قيادته و توجيهه ، فدعا ربه أن يجعل هارون وزيره .


و قد جاء في حديث ماثور عن أبي جعفر الباقر عليه السلام :

قال الراوي فقلت لابي جعفر : و كان هارون أخا موسى للأم و أبيه ؟

قال : نعم أما تسمع قول الله تعالى : " يابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأٍسي " ؟ فقلت : فأيهــما كان أكــبر سنا ؟ قال : هارون ، قلت : و كان الوحي ينزل عليهما جميعا ؟ قال : كان الوحي ينزل على موسى ، و موسى يوحيه الى هارون ، فقلت : أخبرني عن الأحكام و القضايا و الأمر و النهي كان ذلك اليهما ؟ قال : كان الذي يناجي ربه و يكتب العلم ، و يقضي بين بني اسرائيل موسى ، و هارون يخلفه اذا غاب من قومه للمناجاة . (1)[ 31] [ اشدد به أزري ]

أي قو به ظهري ، و لعل ذلك يعني انه كان يستخلفه عندما يغيب عن قومه .

[ 32] [ و أشركه في أمري ]

أي يتحمل جزء من مسؤولياته حتى عند وجوده .

[ 33] [ كي نسبحك كثيرا ]

التسبيح هو تنزيه الله كما جاء في الحديث : انه سئل الامام أبا عبد الله عن معنى سبحان الله ؟ فقال : تنزيهه . (2)(1) نور الثقلين / ج3 / ص 377 - 378 .

(2) بحار الأنوار / ج93 / ص 177 .


[ 34] [ و نذكرك كثيرا ]

ولا يعــــني ذكر الله مجرد تحريك اللسان ، بل جعل الله مراقبا في السر و العلن ، و يدل على ذلك الحديث الشريف : قال أبو عبد الله (ع) : " ما ابتلي المؤمن بشيء أشد عليه من خصال ثلاث حرمها ، قيل : و ما هن ؟ قال : المواساة في ذات الله ، و الانصاف مننفسه ، و ذكر الله كثيرا .

أما واني لا اقول لكم : سبحان الله و الحمد لله ولا إله الا الله و الله أكبر ، و لكن ذكر الله عندما احل له ، وذكر الله عندما حرم عليه " . (1)[ 35] [ إنك كنت بنا بصيرا ]

باعمالنا و تصرفاتنا ، و لعل هذه الآيات توحي بأن هدف موسى و هارون لم يكن السيطرة بل تطبيق واجبات الرسالة .

ونتــساءل : ما الذي دعا موسى (ع) الى أن يطلب من الرب و زيرا كهارون (ع) ؟ الجواب : إن موسى عليه السلام عرف منذ البدء أبعاد الرسالة التي سوف يحملها ، و الصعاب التي تعترضه في سبيل تبليغها ، و الضعف الذي اعترى قومه من بني إسرائيل نتيجة الاستعباد مدة طويلة ، و القوة التي طغى بها أعداؤهم من الأقباط بقيادة فرعون .

و كان يشعر - لذلك - بالحاجة الى من يسند ظهره ، و يطبق واجبات الرسالة بلا تردد ، فيكون إماما في الطاعة ، و قدوة في تنفيذ أوامر القيادة ، فلم يجد افضل من أخيه هارون .


(1) المصدر / ص 183 .


و هكذا كل صاحب دعوة بحاجة الى شخصية تتجلى فيه رسالته و يكون مثلا أعلى لها ، كما كان هارون لموسى ، و واصف بن برخيا الذي أوتي علما من الكتاب لسليمان ، و يحيى لعيسى بن مريم ، وكما كان علي بن ابي طالب عليه السلام للنبي محمد صلى الله عليه وآله ، و هكذانجد الرسول يكرر : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي .

ولقد حدثت واقعة تاريخية : أظهرت الحاجة الى ذلك .

حيث إن النبي لما أراد الخروج الى غزوة تبوك استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في أهله و ولده و أزواجه و مهاجره فقال له : يا علي ان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ، فحسده أهل النفاق و عظم عليهم مقامه فيها بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله و علموا انهاتتحرس به ولا يكون للعدو فيها مطمع ، فساءهم ذلك لما يرجونه مــن وقوع الفساد و الاختلاف عند خروج النبي - صلى الله عليه وآله - عنها ، فارجفوا به عليه السلام و قالوا : لم يستخلفه رسول الله إكراما له ولا إجلالا و مودة و انما استخلفه استثقالا له ، فلما بلغأمير المؤمنين (عليه السلام ) ارجاف المنافقين به أراد تكذيبهم و فضيحتهم ، فلحق بالنبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله ان المنافقين يزعمون : أنك انما خلفتني استثقالا و مقتا ، فقال رسول الله (ص) : " إرجع يا أخي الى مكانك فان المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي و قومي ، اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي ؟" (1)[ 36] [ قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ]

و هكذا من الله على عبده و رسوله موسى بن عمران ، فاتاه كل ما سأله مرة و احدة ، لانه كان من وسائل تبليغ الرسالة ولم تكن طلبات شخصية .


(1) المصدر / ص 378


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس