فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

موسى بين يدي العناية الالهية
هدى من الآيات

سلســلتان من النعم تتوافر عند الانسان لتكون شرطا مسبقا لتلقية النعمة الكبرى ، وهي نعمة الهداية الالهية .

السلسلة الأولى : النعم المادية .

مثل النمو الجسدي ، و التكامل العقلي ، و وجود أدنى ضرورات الحياة المعيشية .

السلسلة الثانية : النعم المعنوية .

مثل سلامة القلب ، و عدم وجود نقص في أي حاجة من الحاجات النفسية ، أو في احساس الانسان تجاه الآخرين ، و سلامته من العقد النفسية التي تمنع الهداية .

تشير هذه الآيات الكريمة الى ان موسى (ع) قبل أن يتلقى الرسالة ، تلقى هاتين السلسلتين من النعم ، فمن جهة نرى ان الله سبحانه و تعالى انقذ النبي موسى (ع) من قتل محتم ، فقد كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل و يستحيي نساءهم ، فلما رأى أن نسل بني إسرائيلسوف ينقطع بهذه الطريقة ، أخذ يقتل فيهم عاما و يتركهم عاما ، و قد ولد موسى (ع) في تلك السنة التي يقتل فيها فرعون أبناء بني إسرائيل و أنجاه الله مع ذلك من القتل ، و بعد ذلك نجي من موت محتم آخر ، عندما قتل قبطيا ، فهرب الى المدائن ، حيث تشكل هذه الهجرة الانطلاقة الرسالية الكبرى .

كما تعرض موسى (ع) لسلسلة طويلة من الأخطار ، كذلك كل انسان يتعرض لأخطار محدقة تكاد تؤدي بحياته ، ولكنه ينقذ منها برحمة من الله و فضل ، و القليل من الناس من يلتفت اليها أو يذكرها عندما يكبر ، و هنا يذكر الله موسى (ع) بطفولته حينما كاد جلادوا فرعون أن يقتلوه فأنقذه الله ، و لابد أن نذكر أنفسنا بتلك الأيام الخوالي التي كادت الأخطار فيها أن تهلكنا فأنقذنا الله منها .

كما يذكر الله موسى بالسلسلة الثانية من النعم ، فقد ألقى الله عليه محبة ممن كانوا يحيطون به ، لكي تنمو نفسه نموا متكاملا دون عقد أو أدنى نقص ، و يكون بذلك مستعدا لتلقي نعمة الهداية ، ولكن السؤال هل هذه نعمة خاصة ؟

كلا ! كل واحد منا قد تلقى أمواجا من الرحمة و الحنان من قبل والديه ، ومن قبل المحــيطين به ، فالكثير نمت نفوسهم سليمة و مستقيمة مستعدة لتلقي نعمة الهداية ، ولكن عند موسى يصبح هذا الأمر أكثر وضوحا ، حيث ان الله سبحانه حمل التابوت الذي يحمل موسى الىبيت عدوه فرعون ، و عندما رآه فرعون وقع في قلبه موقعا حسنا و أحبه فلم يقتله ، و حينما فتش فرعون عن المراضع لم يجد إلا امه و هو لا يعرفها انها أمه ، فعاد موسى الى أمه كي ينمو في حضن الأمومة الدافىء ، الذي يربي نفس الطفل على الاستقامة و السلامة المعنوية، لأن من يفقد حنان الأمومة طفلا يظل محتاجا لها كبيرا .

الطفل لا يرضع من ثدي أمه لبنا فقط ، و انما يرتضع من أمه حنانا و دفئا ، و في قصة موسى رمز الى هذه الرضاعة .

بعد أن تتوفر هاتان السلسلتان من النعم التمهيدية تاتي النعمة الكبرى و هي نعمة الهداية .. و بعدما ذكر الله رسوله موسى (ع) طلب منه أن يبلغ هذه النعمة ( الرسالة ) .

إن نعمة الهداية بالنسبة لموسى ، هي نعمة الرسالة ، و ليس للرسول الذي يبلغ الرسالة فقط ، بل هي للمرسل اليه الذي يتلقى الرسالة و يستقبلها محاولا تطبيقها أيضا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس