فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[ 123] [ قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ]
لقد هبط آدم و زوجته فقط ، و قد أكد القرآن ذلك حين جاء الحديث بلفظ التثنية " اهبطا " ، و لكنه بعدئذ يقول : " جميعا " فلعله يضم إبلس معهما ، ثم يقول : " بعضكم لبعض عدو " بصيغة الجمع ، لماذا ؟
لأن آدم لم يختلف مع زوجته في الأرض ابدا ، بل ظل على وئام معها ، حتى صارت لهما ذرية فانقسم هؤلاء ، فمنهم من اعتنق مبادىء الخير ، و منهم من اعتنق مبادىء الشر ، فنشب الصراع بين الطرفين .
[ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى ]الضلالة هي الانحراف و الشقاء نتيجتها ، و لكن الذي يتبع هدى ربه لا يضل ولا يشقى ، لأنه يسير في الطريق الصحيح الذي يوصله الى أهدافه ، و لعل الضلالة تعني الجانب المعنوي ، بينما الشقاء يعني الجانب المادي ليتقابل مع قوله سبحانه في الآية التالية : " فإن له معيشة ضنكا " يعني من لم يتبع هدى الله .
[ 124] [ ومن أعرض عن ذكري ]
من يعرض عن ذكر الله ، و عن الحق ، و أبرز قضاياه هو تولي القيادة الشرعية ، فانه لا يعرف كيف يستفيد من الحياة لذلك يشقى فيها .
[ فإن له معيشة ضنكا ]
أي معيشة ضعيفة تضغط عليه و تجلب له التعاسة ، برغم مظاهر الثروة التي قد يكون متلبسا بها و يغبطه الناس عليها ، و الواقع : إن ضنك العيش يتمثل في واحد من بعدين :
1 / فقد يكون بسبب نقص الوسائل المادية التي توفرها المناهج الالهية ، و التي لن توجد من دونها إلا مؤقتة و مشوبة بالمشاكل الأعظم منها .
2 / و قد تضيق النفس بالحياة و تصبح حرجة قلقة ، غير مطمئنة ولا راضية حتى ولو توفرت الوسائل المادية ، إذ النفسية المعقدة التي تتراكم عليها الصفات الرذيلة كالحسد و الحقد و الكبر والغرور يعيش صاحبها في زنزانة ضيقة و لو كان جســـمه في روضة فيحاء .
وفي السياق إشارة الى بعض جوانب السعة و الضيق في القلب .
[ و نحشره يوم القيامة أعمى ]
و لماذا يعمى الانسان في الآخرة ؟ لأنه قد ترك الانتفاع بالبصيرة في الدينا ، ذلك لأن العمى في القرآن منه ما هو عمى البصر و منه ما هو عمى البصيرة ، كما قال الراغب في قوله سبحانه : " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا " فالأول عمى البصيرة و الثاني عمى البصر ، و لعلنا نستطيع ان نعبر عن عمى البصيرة بعدم الوعي ، و الذي يعمى عن النور لا بد أن يعمى عما يضيئه ذلك النور من الحقائــق ، فهــدى الله نور جاء ليضيء الحقائق ، و يبين السنن الحاكمة في الحياة ، و بديهي إن من يعرض ببصرهو بصيرته عن رؤية ذلك الهدى ، سيعمى عن حقائق الحياة و سننها ، و سيصعب عليه تمييز الخير عن الشر ، و سيتجسد في الآخرة في عمى ظاهر هو عمى العين ، لذلك يقول تعالى :
[ 125] [ قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ]
يبدو من الآية إن الرجل لم يكن من الكفار ، إنما ممن نسي آيات الله بعد أن جاءته ، و لذلك احتــار فــي سبب عماه و تساءل : " رب لم حشرتني أعمى " و أضاف : " وقد كنت بصيرا " ولو كان كافرا إذا لم ينسب نفسه الى البصر ، و ربنا حين أجابه، ذكره بأنه نسي آيات الله ، و لم يقل أنه لم يؤمن بها ، هكذا جاءت النصوص تفسر الآية بمن ترك الولاية الالهية أو الحج المفروض ، فقد روى أبو بصير قال : سمعت أبا عبد الله يقول : " من مات وهو صحيح موسر لم يحج ، فهو ممن قال الله عز وجل : " و نحشرهيوم القيامة أعمى " قال قلت : سبحان الله ، أعمى ! قال نعم أعماه الله عن طريق الحق " (1)و حينما يسأل الضال ربه عن سبب عماه يأتيه الجواب :
(1) نور الثقلين / ج 3 / ص 406
[ 126] [ قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى ]أي أهملتها كما ينسى شيئا ، و كذلك تهمل في النار كمن نسي شيئا ، و يبدو من هذه الآية أن مشكلة الانسان هي إهماله لتعاليم الرسالات الالهية ، بسبب عدم الجدية ( العزم ) فيها ، و علاج هذه الآفة بذكر الله تعالى ، عبر الصلوات الخمس و العمل الصالح ، فالصلاة تذكر المؤمن بربه باستمرار ، و بالتالي تذكره بأوامره و نواهيه التي بلغها الرسل ، ومن خلال ذلك يعرف الحياة و سبل تسخيرها ، فيفوز في الدنيا والآخرة .
[ 127] ما الذي يجعل الانسان لا يؤمن بآيات الله ، إيمانا عمليا ينعكس في واقع حياته ، و يلتزم باحكام الدين بجد و عزم ؟ الجواب : إنها نزعة الإسراف الكامنة في نفسه ، و التي تدعوه الى الاستزادة من متع الدنيا الزائلة ، حيث إن التمسك بالدين يتطلب شيئا منالصبر و التحمل و التضحية ، و لعله لذلك يقول الرب سبحانه :
[ و كذلك نجزى من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ]
و الانسان الذي يحاول الهرب من صعوبات الحياة بالالتفاف على آيات الله ، فانه سيواجه في الآخرة نفس الصعوبات و المشاق ، و قد اكتسبت صفتين خطيرتين هما الشدة اولا ، و الامتداد الزماني الذي يصل الى درجة الخلود ثانيا .
[ و لعذاب الآخرة أشد و أبقى ]
[ 128 ] [ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لايات لأولي النهى ]الذي لا يتعظ إما لا يشعر بالخطر فيأمن من مكر الله ، أو لأن قلبه قاس لا يستطيع أن يستوعب به العبر ، ولا يستفيد من العبر إلا أولي النهى ( أصحاب العقول ) .
[ 129] [ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما و أجل مسمى ]كلمة الله سبقة بتأخير العذاب ، و إلا لكان لزاما أن يصب الله عليهم عذابه ، إن من رحمة الله بالانسان أن ترك له فرصة كي يهتدي و لم يعاجله بالعقوبة .
[ 130] بماذا نتقي النسيان ؟ نتقي النسيان بأمرين :
الأول : الصبر .
[ فاصبر على ما يقولون ]
عدم التأثر بكلام الكفار و أفكارهم السلبية ، و عدم مجاراتهم في كلامهم .
الثاني : ذكر الله بالتسبيح دائما .
[ و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ]
صلاة الصبح .
[ و قبل غروبها ]
صلاة العصر .
[ ومن اناىء الليل فسبح ]
صلاتي المغرب و العشاء .
[ و أطراف النهار ]
أي و سط النهار و هي صلاة الظهر .
[ لعلك ترضى ]
و هذه الكلمة تقابل " فان له معيشة ضنكا " ، فالمعيشة الضنك هي معيشة الانسان التي تحبس نفسه بسببها في زنزانة السخط على الحياة ، أما المعيشة الرحبة فهي معيشة الانسان الراضي بقضاء الله تعالى .