فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
تخرصات البشر
[ 3] [ لاهية قلوبهم ]
إن القلوب اللاهية لا تتقبل حقائق الحياة ، ولا تتفاعل معها ، تماما كالأحجار الصلدة التي كلما صببت عليها الماء فانها ترفض أن تحتفظ بقطرة واحدة منه .
[ و أسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر و أنتم تبصرون ]لماذا كان حديثهم بينهم نجوى ؟
لانهم يخافون أن يفتضحوا أمام الملأ بسبب ضعف موقفهم العلمي أمام شواهد الصدق التي تميزت بها الرسالة ، و لانهم انهزموا في واقع أنفسهم أمام قوة الرسالة ، فلم يجدوا بدا من المؤامرة في السر ضدها ! ولان ادعائهم بانها سحر كان واضح البطلان فاحتاجوا الى التواطىء عليه في السر ، فالسحر شيء و الرسالة شيء آخر ، السحر يداعب خيالهم بينما الرسالة تثير عقولهم .
[ 4] [ قال ربي يعلم القول في السماء و الارض وهو السميع العليم ]إن الانــسان يبرر عمله أمام الآخرين مادام يعلم إن تبريره يمكن أن ينطلي عليهم ، أما إذا علم أن هناك من يعرف حقيقة أمره ، فانه سيخجل من ذاته ، و يكف عن إنحرافه إن كان أهلا للموعظة .
لذلك ذكر النبي (ص) المشركين بأن الله يعلم إن كلامهم باطل و هم بدورهم يعلمون ذلك ، فلماذا يتحدثون به ؟ ثم إن رسولهم الذي جاء بالذكر هو أول من يحذر ربه ، لأنه يعرف أنه يعلم القول في السماء و الأرض ، فكيف يمكن أن يفتري عليه و هو الشاهد الناظر ؟
[ 5] [ بل قالوا أضغاث أحلام ]
أي أحلام مختلطة ببعضها .
[ بل افتراه ]
إن كلامه معقول ، و لكنه كاذب في ادعائه أنه وحي من الله .
[ بل هو شاعر ]
ولما رأوا إن كلامه عميق وذو أثر قالوا : إنه شاعر ! لأن الشعر أعلى درجات الثقافة لديهم . هكذا كان حديثهم عن الرسالة متناقضا ينبىء عن حيرة كبيرة ، منشؤها عدم إستعدادهم للإيمان بها ، و تحمل مسؤولياتها ، و ترك ما تعودوا عليه ، كذلك الانسان حينما يقرررفض مذهب أو موقف يتشبث بأعذار واهية و ربما متناقضة .
ثم قالوا :
[ فلياتنا بآية كما أرسل الأولون ]
ومن الممكن أن نؤمن ، لكن على شرط أن ياتينا بايات جديدة ، و إن آيات الله التي تنزل على البشر نوعان :
النوع الأول : هي التي تأتي لإثارة العقل و بيان الحجة من قبيل الآيات القرآنية التي تأتي في زمان الفرصة و في أيام الأجل ، أما النوع الثاني : فهي التي تأتي لتفرض على الانسان الحق شاء أم أبى و إنما تكون هذه بعد انتهاء الأجل ، ففرعون كان يقول : أنا ربكم الأعلى ، و حينما غرق في البحر و تقاذفته الأمواج ، قال : آمنت برب هارون و موسى ، و لكن هذا الإيمان مرفوض لأنه جاء بعد فوات الأوان .
وهؤلاء حينما يطالبون بهبوط الآيات الحسية عليهم ، فانهم يخطؤون في ذلك ! لأن هذه الآيات إذا جاءت فان فرصتهم تكون قد انتهت ، و لن يكون في مقدورهم الاستفادة منها شيئا .
[ 6] [ ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ]
أي حينما أنزلت عليهم الآية أهلكت هذه القرية ، لتصبح عبرة للأجيال .
[ أفهم يؤمنون ]
إن هؤلاء ينتظرون أن تنزل عليهم آية من نوع آيات القرى الهالكة ، ليؤمنوا بالرسالة ، في حين إنهم يرفضون الإيمان بالآيات العقلية الكثيرة ، و هذا خطأ فادح لأن في ذلك يكون هلاكهم .
حقيقة الرسل :
[ 7] [ و ما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ]
لما زعموا بأنه بشر أجابهم القرآن بلى إنه لبشر ، و كذلك كل الأنبياء السابقين كانوا بشرا .
[ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ]
لقد أعطى الله سبحانه الجاهل قدرا كافيا من العلم ليهديه الى ضرورة البحث عن عالم يسأله ، و هكذا فان لم يكن للناس علم بطبيعة الرسالات فليسألوا أهل الذكر و المعرفة عن كل ذلك ، و الآية تشير الى إن سؤال الجاهل من العالم أصل شرعي يمكن الاعتماد عليه بشرطان يكون العالم من أهل الذكر ، اي أن يكون قد استفاد من علمه .
[ 8 - 9] [ و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء و أهلكنا المسرفين ]مع ذلك نحــن نؤكد لكم : بأن الأنبياء متصلون بالله ، و إن كلامهم وعد من الله ، و أن الله سبحانه و تعالى ينفذ ما قال ، و ينجي رسله و يهلك الآخرين .
و تتكرر في القرآن الكريم كلمة الاسراف بصيغ مختلفة لتدلل على حقيقة يجب أن نتذكرها دائما و نتأمل فيها كثيرا و هي : إن الاسراف هو أحد الأسباب الرئيسية لانحراف البشر ، فالانسان الذي يأكل و يشرب و ينام و يتزوج بقدر حاجته ، لا ينحرف لأن الله دائما يوفرللانسان رزقه ، و لكن الذي يضل عن الصراط هو المسرف الذي يريد أن يجمع أموال الناس الى أمواله ، و يبني سعادته على حساب الآخرين ، و القرآن يؤكد هنا : بأن الذين يهلكون إنما هم المسرفون .
دور القرآن :
[ 10] [ لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ]
القرآن ياتي لينبه الانسان عن تلك الغفلة التي تفصل بينه و بين الحساب ، ولا تدعه يتذكر أنه مسؤول محاسب وأن حسابه قريب .
إذا كلما رأيت نفسك غافلا فاقرأ القرآن ، لأن قراءة القرآن تعطيك ذكرا ، و توجهك الى الحقيقة .
[ أفلا تعقلون ]
القرآن لا يقول أليس عندكم عقل ، لماذا ؟ لأن الناس جميعا رزقوا العقل ، و لكنهم يختلفون في مدى إستفادتهم من عقولهم ، و هو التعقل ، كما إن الناس جميعا يملكون الأبصار ، و لكن بعضهم يفتحون أعينهم فيرون ، و بعضهم يذهلون عنها فينزلقون ، لذلك يقول القرآن: " أفلا تعقلون " أي لماذا لا تنتفعون بعقولكم ؟
إن الانسان يبحث في حياته عن هدى و يبحث عن الوصول إلى الحقيقة فاذا قرأ القرآن بعمق و تدبر فيه وصل إلى الحقيقة ، فاذا وصل إلى الحقيقة عرف بأن القرآن من الله ، لأنه أوصله إلى الحقيقة .