فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[ 46] إن الدنيا مزيج من الجنة و النار ، و لقد خلق الله سبحانه و تعالى دارا لأوليائه ، جعل فيها من كل مالذ و طاب من النعم ، دون أن يشوبها خوف أو حزن ، و خلق دارا أخرى للمعاندين ، و جعل فيها من كل عذاب أشده و آلمه ، دون أن يكون فيها مكان للرحمة أو مجال للنعمة ، و خلق دارا ثالثة تجمع صفات تلك الدارين ، فيها ضغث من الجنة و ضغث من الجحيم ، و هي الدنيا ، ثم جعل ما فيها من ثواب و نعم شاهدا على ما في تلك الدار من ثواب و نعمة ، و ما فيها من عقاب و نقمة ، شاهدا على مافي الجحيم من أليم العذاب . و هذا هومضمون حديث مفصل مروي عن أمير المؤمنين علي (ع) .
و في هذه الآيات يؤكد السياق ذلك ، فلكي تعرف إنك مسؤول في الآخرة تدبر في نتائج أعمالك في الدنيا ، و لكي تعرف حقيقة العذاب و الثواب في الآخرة جربهما في الدنيا .
لذلك تجــد الصحــابي أبا ذر - عليه السلام - يذهب الى الصحراء ، يعري جسده ، و يلقي بنفسه على الرمضاء حيث تصهره الشمس و يكويه الحصى ، و يقول لنفسه يا أبا ذر ذق حرارة الدنيا لكي تبعد نفسك عن نار الآخرة ، فان نار جهنم أِشد حرا . وفي الحديث الشريف : " تذكروا بجوعكم و عطشكم - في شهر رمضان - جوعكم و عطشكم في يوم القيامة " .
إن كل ما نواجهه في حياتنا الدنيا من صعوبات و مشاكل و مخاطر ، هو نفحة من عذاب الله تذكرنا بحقيقة العذاب الموجود في الآخرة ، و يصيبنا إن لم نتبع الفرقان الذي أنزله إلينا ربنا ، و الذي يفرق لنا بين الحق و الباطل ، و بين الحلال و الحرام ، و بين الخيرو الشر .
[ و لئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين ]أول ما يبدأ عذاب الله عز وجل بالنزول على المعرضين و المعاندين ، ينزع عنهم السكرة التي كانت مسيطرة على عقولهم ، والتي جعلتهم يغترون بالدنيا الفانية ، و عن ذلك يعودون الى رشدهم ، و يقولون لقد عرضنا أنفسنا الى الهلاك بارادتنا و اختيارنا ، حينما فرطنافي المسؤولية ، و تهاونا في أداء الأمانة .
[ 47] [ و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ]تلك كانت النفحة ، أما الجزاء فسيجدونه في يوم القيامة حيث الحساب ، الدقيق و العسير ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، و تعالى الله أن يظلم أحدا شيئا .
و الموازين القسط هم الرجال الربانيون الأنبياء و الاوصياء (1) الذين يتخذ منهم الرب شهداء على الناس ، و الذين لابد أن يقيس الانسان أعماله بهم و بنهجهم و سيرتهم .
[ وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها ]
الخردل : نبات له حبات بالغة في الصغر و الخفة ، لو إن الانسان أحسن و عمل عملا بوزن هذه الحبة ، وفي أي مكان على وجه الأرض ، و على أية درجة من السرية و الكتمان ، فان الله سياتي به - بقدرته و علمه اللامحدودين - مثبتا و مسجلا ، يعرضه على صاحبه في يوم القيامة ، ثم يعطيه جزاءه العادل عليه .
[ وكفى بنا حاسبين ]
ولا نحتاج الى من يعيننا في عملية الحساب هذه .
(1) تفسير نور الثقلين / ج3 / ص 430 .