فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

حجج المسؤولية
[ 48] لأن الله لا يظلم أحدا شيئا ، سبحانه ! ، و لأنه رحيم بعباده ، ولأن الحساب هناك دقيق و عسير ، و بالتالي لأن المسؤولية باهضة . فقد من على عباده برسالاته التي هي :

أولا : الفرقان بين الحق و الباطل ، بين ما ينبغي وما لا ينبغي من الأفعال .

ثانيا : و يضيء قلوبهم بنور الايمان حتى يتحملوا مسؤولياتهم و يؤدوا ما عليهم .

ثالثا : يذكر المتقين منهم حتى لا يعتريهم النسيان .

هكذا اكمل الرب حجته على عباده ، فلم يحملهم عبء المسؤولية دون توفير و سائل تحقيقها لهم .

[ و لقد آتينا موسى و هارون الفرقان و ضياء و ذكرا للمتقين ]الفرقان : هو ما يفرق بين المتناقضات الموجودة في الحياة ، و به نعرف الحق من الباطل ، و نعين الحدود الفاصلة بينهما ، و قد يكون الفرقان هو التوراة كما تشير إليه هذه الآية ، و قد يكون واحدا من الكتب الالهية الأخرى و منها القرآن ، كما انه يستطيل ليشملالأشِخاص كالأنبياء و الأئمة (ع) ومن يقوم مقامهم ويمثل امتدادا حقيقيا لهم .

و الضياء : هو النور الذي يشع في القلب ، و يمكن المؤمنين من السير في دروب الحياة المدلهمة بثقة و اطمئنان .

أما الذكر : فهو ما يثير دفينة العقل ، و يمنع الانسان من الركون الى الغفلة و النسيان ، و يتمثل في المواعظ البليغة التي يستفيد منها المتقون الذين يخافون الله ويراقبونه باعمالهم .


الساعة و الغيب :

[ 49] [ الذين يخشون ربهم بالغيب ]

الإيمان بالغيب هو الذي يدفع الانسان الى تجاوز الشهود ، فتراه - حينما يرى شيئا - لا يقف عنده ، بل يعبر من خلاله الى الشاطىء الآخر للحقيقية أي الى حكمته و سببه و دلالته ، و بكلمة : الإيمان بالغيب هو : أن نصدق بما لا نراه إنطلاقا مما نراه ، و هذا الأمر الذي يتفق تماما مع العقل و المنطق ، هو الذي يقودنا الى معرفة ربنا اللطيف الذي لا تدركه الأبصار ، من خلال ما نراه من آثار خلقه و بديع صنعه ، و بالتالي نخشاه كاننا نراه ، و نقف بين يدي جبروته المطلق بخشوع و وجل ، و هذا الشعور سوف ينعكس على أعمالنا ،و أقوالنا ، و سائر تصرفاتنا ، فيصقلها و يهذبها و يوجهها الى الوجهة السليمة في الحياة . كما يقودنا الإيمان بالغيب الى الشفقة من الساعة .

[ و هم من الساعة مشفقون ]

أي يخشون قيام الساعة .

و الاشفاق حالة من الخشية المقرونة بالترقب و الانتظار ، ذلك لأن المتقين يعيشون بين الخوف من البعث ( لأنهم لا يعلمون نتائج أعمالهم ) و يبن انتظاره ( إذ يرجون جزاء حسناتهم ) .

[ 50] [ وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفانتم له منكرون ]

إن أكثر الكفار ، ينكرون الرسالات و الكتب الالهية ، لأنهم يشككون أنفسهم في الذي أنزلها ، و لذلك يقول الله في هذه الآية : " أنزلناه " ليقطع عليهم سبيل الانكار و التكذيب .

و كما إن التوراة كانت فرقانا و ضياء و ذكرا .. فان القرآن كذلك ذكر ( وهو أعلى صفات التوراة الثلاث ) . و مثلما أصبح كتاب موسى بركة على بني إسرائيل ، كذلك هذا الكتاب سيكون ( و فعلا كان ) مباركا على من اهتدى به ، يخرجهم من الظلمات الى النور ، و يعطيهمتكاملا معنويا و ماديا .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس