فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين
هدى من الآيات

كما إن نفحة العذاب في الدنيا ، شاهدة على العذاب المركز في الآخرة ، كذلك الثواب الدنيوي دليل على ما وراءه من ثواب عظيم في الآخرة .

و كما إن الانسان حينما تستعبده أصنام التأريخ ، أو أصنام المجتمع ، فانه يلاقي جزاءه في الدنيا و الآخرة ، حيث تتحول تلك الاصنام التي تعبد من دون الله الى نقمات تحيط به ، كذلك فان الانسان الذي يتحرر من عبادة الأصنام التأريخية أو البشرية ، يبني حياتهبشكل سليم و يجازيه الله سبحانه و تعالى جزاء حسنا .

فهذا إبراهيم قد حطم - اولا و قبل كل شيء - الأصنام التي كانت تستعبد الناس آنئذ ، حيث انفصل عن عبادة الآباء ، و تحدى ضغوط المجتمع ، و لم يكتف بعدم الخضوع لأبيه ( آزر ) الذي كان يتخذ موقفا متشددا ، بل حاول أن يجعل أباه يتبعه و يطيعه ، لأنه على يقين .


كما تحرر من الخضوع لطاغوت المجتمع ، و للسلطة السياسية الفاسدة ، بما تملك هذه السلطة من وسائل البطش و الارهاب ، فكان ذلك الانسان الذي خلقه الله على الفطرة الإيمانية ، و أصبح عبدا مؤمنا صالحا كما أراده خالقه .

إن الانسان المتحرر عن عبودية الطاغوت ، و عبودية الآباء ، و عبودية الشهوات ، و سائر العبوديات ، يصبح مستقل الشخصية ، لا يخضع إلا لخالق الكون العزيز الحكيم ، وهكذا بدأ إبراهيم حياته بداية سليمة ، فأعطاه الله سبحانه بدل ذلك المجتمع الفاسد مجتمعا صالحا ، وبدل ذلك الارهاب و الطغيان أمنا و حرية ، وبدل ذلك التأريخ الفاسد جعله منطلقا جديدا لبناء تأريخ صالح .

لقد عوضه الله عن كل بلاء صبر عليه بنعمة ، فبتحرره من قيد الطاغوت أعطاه الله سبحانه نعمة القيادة و جعله إماما ، و عندما تحرر من قيد المجتمع المشرك أعطاه مجموعة من المؤمنين يتبعونه ، و أعطاه الأولاد و جعل ابن خالته لوطا يتبعه ، فأنشأ ذلك المجتمع النظيف . و تحرر من قيد التاريخ المنحرف ، فجعله الله سبحانه و تعالى نقطة البدء لتأريخ جديد مجيد ، و جعل أولاده أئمة للناس ، كما زودهم برسالة متكاملة بازاء ذلك المنهج الفاسد الذي يتبعه الطاغوت و المجتمع الخاضع له .. برسالة تدعو الى الخير ، وإقامــة الصــلاة ، و إيتاء الزكاة ، و عبادة الله و حده ، دون الخضوع لهذا أو ذاك .

هذا هو بعض ما يمكن أن نستوحيه من هذه الآيات الكريمة .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس