فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
نجاة لوط :
[ 74] [ و لوطا آتيناه حكما و علما ]
أهم نعمة يسبغها الرب لعبده هي نعمة الهدى ، التي تؤدي الى معرفة الحقيقة ، و غاية الهدى النبوة ، و قد أعطى الله لوطا " حكما " أي نبوة ، و النبوة : ليست مجرد علم غيبي بالحقائق ، بل هي أيضا إذن من الله بالاستخلاف في الأرض و بالتالي إمامة الناس .
و لعله لذلك اختلفت معاني كلمة " الحكم " و موارد استعمالها في الكتاب ، فحينا تستعمل في الرسالة ، و حينا في القضاء ، و حينا في العقل ، و الجميع ينتهي الى ذات المنصب الالهي الذي يجمع كل تلك الفضائل .
و علما : أي معرفة الحقائق التفصيلية .
و الى جانب الحكم و العلم أعطى الله لوطا : نعمة أخرى و هي نجاته من الأخطار المادية و المعنوية المحيطة به ، حيث نجاه من القرية التي كان أهلها يقومون باللواط ، و قطع الطرق ، و كثير من المنكرات و أنقذه من أذى قومه السيئين و الخارجين عن أمر الله و المبعدين عن دينه و شريعته .
[ و نجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث ]
و نسب السياق المنكرات الى ذات القرية ، إشارة الى أن جميع أهلها كانوا كذلك ، حتى و كأن القرية ذاتها كانت تعمل الخبيث .
[ إنهم كانوا قوم سوء فاسقين ]
كانت أخلاقهم سيئة ، و كان عملهم فسقا ، و مثل هؤلاء لا يتوقع منهم إلا الشر و الأذى و الاعتداء على رسل الله ، وعلى كل من يرفع صوته مناديا بالصلاح و التغيير .
[ 75] [ و أدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين ]
شبه الرحمة بالبيت الذي يدخله الانسان ، فيحيط به من جميع جوانبه و يحفظه من الأخطار الخارجية ، و يمده بأسباب الراحة و الاطمئنان في الداخل ، و قد أدخل الله عز وجل نبيه لوطا في رحمته الخاصة ، لأنه كان من الصالحين ، أي كان سليم النية مخلص القلب عالي الأخلاق .
هكذا استجاب الله لنوح (ع) :
[ 76] [ و نــوحا إذ نـادى مـن قبل فاستجبنا له فنجيناه و أهله من الكرب العظيم ]هذه الآية تبين أهمية الدعاء و عظمة شأنه ، إذا كان مستكملا لاركانه و شرائطه ، فنوح (ع) صبر و استقام في أداء رسالته ، و أخلص الطاعة لربه و خالقه ، فلما تعرضت الأمة المنحرفة لخطر الطوفان الرهيب الذي لم يكن ليصمد أمامه شيء ، و لم تكن حتى سفينة نوح كافية للافلات من غضبه الأمواج الهادرة ، طلب نوح (ع) من ربه النجاة ، فجاءته الاستجابة الالهية الكريمة لتشمله هو و من كان معه باللطف و العناية ، و تشير الآية الى أن هناك شرطين أساسيين للدعاء :
أ - العمل في مسير الدعاء ، أي أن يكون الدعاء مصحوبا بما يتمكن عليه الانسان من العمل و السعي في اتجاه الهدف المطلوب ، لا أن يكون و سيلة للقعود و التهرب من المسؤولية ، و نوحا إنما دعا ربه بعد ( 950 ) عاما مـــن الدعوة و الجهاد .
ب - الخشوع و التضرع الى الله سبحانه ، بحيث يتمثل الانسان نفسه واقفا بين يدي ملك الملوك جبار السماوات و الأرض ، أما أن يدعو ربه ، و يكون فكره مشغولا بمواضيع دنيوية أو متــعلقا بأشخاص آخرين ، فهذا ليس من أدب الدعاء و ليس طريقا للاستجابة أبدا .
و الدعاء الصحيح يحول الانسان من حضيض البئر الى ملك يجلس على عرش مصر ، كيوسف (ع) ، و من رجل مطارد يلقى به في أتون النار الملتهبة الى إمام للناس يصبح بداية تأريخ ، كابراهيم (ع) ، و من شاب مغمور الى ملك مهاب ، كداود (ع) ، أو من رجل قد أحاط المرض و الفقر به الى إنسان سوي ثري ذي أهل و أولاد و جاه في المجتمع ، كأيوب (ع) ( على نبينا و آله و عليهم أفضل الصلاة و السلام ) ، و كل ذلك جرى بالقدرة الالهية الغيبية ، و بواسطة الألطاف الرحمانية التي شملتهم ، بسبب إخلاص طاعتهم و توجيههم لخالقهم .
و هذا هو معنى المسؤولية ، حيث إنها لا تقتصر على العمل و تحمل الأذى و الصعاب فقط ، و إنما تمتد الى انتظار الفرج ، و توقع الثواب من قبل الرب الغني الحميد ، الذي يعجل بجزء من رحمته لعبادة الصالحين في الدنيا ، و يؤجل الأعظم منها الى الحياة الأبدية فيالدار الآخرة .
[ 77] [ و نصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا ]
إن إنقاذ الانسان من مجتمعه الفاسد قضية هامة تركز عليها هذه الآيات بل كل سورة الآنبياء ، و إن من الأصنام المجتمع الذي إن لم يقدر على إصلاحه فعليه أن ينقذ نفسه منه باللجوء الى الله ، فان البلاء إذا نزل عم ، و هكذا أنقذ الله نوحا من القوم الذين كذبوابآيات الله .
[ إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ]
كانت أعمالهم منحرفة و نفوسهم خبيثة ، لذلك أغرقهم الله ، و لم يبق أحد منهم على الأرض ، حيث استجاب الرب دعاء نوح فيهم حين دعاه قائلا : " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " .