فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
وحدة الرسالات و الأنبياء
هدى من الآيات
في الدرس السابق بينا إن الأنبياء عليهم الصلاة و السلام هم قدوات للبشر و إنما تتكرر قصصهم في القرآن الحكيم - المرة بعد الأخرى - و بأساليب مختلفة لكي تتكرس قيادتهم للبشرية ، ولا تزال آيات القرآن الحكيم تؤكد هذه الفكرة ، فبعد أن تذكر قصص بعض الأنبياءعليهم الصلاة و السلام ، تبين إن هؤلاء جميعا كانوا يتبعون خطا فكريا واحدا هو التوحيد ، و لذلك يجب على الانسان أن يتبعهم و يتخذهم قدوات في حياته ، وإن أفعال الأنبياء (ع) و صفاتهم و سيرتهم ، و إن اختلفت صورها ، فانها واحدة في المحتوى ، و إن وحدة الأفعالو الصفات و السير عندهم هي بقدر يكفي الانسان للاقتداء بهم .
و بالرغم من إن القرآن الكريم في هذه السورة بالذات لم يبين جوانب عديدة من حياة الأنبياء ، إنما أشار الى أسمائهم و الى أبرز صفاتهم إشارة خاطفة ، لكنه مع ذلك يقول في نهاية قصصهم " وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " ، لماذا ؟
لكي يقول لنا بأن هذه المجموعة هي المجموعة " القدوة " و هي المجموعة " الامام " بالنسبة اليكم أيها البشر .
و لتأكيد هذه الفكرة تشير هذه الآيات و التي قبلها الى هؤلاء و تأتي بأسمائهم متتالية بالرغم من إنهم كانوا في عصور مختلفة و أمصار متفرقة ، حتى إن القرآن أتى باسمائهم بصورة غير مرتبة تأريخيا .
فيذكرنا بموسى ثم بإبراهيم ثم بنوح ، ثم بسليمان و أيوب ، ثم بإدريس ، و بين هؤلاء آلاف السنين ، و إن أحدهم قبل أو بعد الآخر ، و ذلك لكي لا يقول فرد أو مجتمع ما إنني أتبع النبي الأخير ولا أتبع النبي الأول ، أو إنني أومن بالنبي الأوسط أو الأول دون الأخير ، فكلهم نور واحد ، و يجب علينا أن نقتدي بهم جميعا .
و القرآن الحكيم يتبع ببيانه للقصص و الأحكام و العبر و الأمثال ، خطا واحدا هو خط التوحيد ، و التوحيد هو : صبغة القرآن التي يضعها على كل قصة ، و على كل عبرة ، و كل حكم تشريعي ، و كل رؤية و بصيرة .
و إن لله سبحانه أسماء حسنى و يهدينا الذكر الى أسماء ربنا العزيز ، ومن هنا تجد و كأن كل سورة من سور القرآن قد خصصت لبيان اسم من أسماء الله الحسنى ، و هذه السورة بالذات تبين اسم المجيب حيث إن الله قريب من الانسان ، يستجيب له و يسمع نداءه و الأنبياءالكرام عليهم الصلاة و السلام بعد أن توكلوا عليه في أشد لحظات حياتهم ، فاذا به يستجيب لهم و ينصرهم ، ويعطيهم أكثر مما طلبوا .
وهذه من خصائص فضل الله سبحانه و تعالى ، اذا فتحت أبواب رحمته فانها تفيض من كل جانب لكثرتها و تنوعها حتى تكون حياتك اضيق من استيعاب كل رحمة الله ، كما إذا فتحت أبواب السماء بالمطر كيف نرى الأرض عاجزة عن استقبال أمطار السماء حتى أنها تعيد الزائد منها الى البحار مرة أخرى .