فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

دعاء يونس
[ 87] [ و ذا النون إذ ذهب مغاضبا ]

إن كلمة " ذا النون " تعني لغويا صاحب الحوت و هي تشير الى نبينا يونس بن متى (ع) ، و قصته تلخص في أنه دعا على قومه حيث لم يستجيبوا للرسالة و ذلك قبل أن يكون وقت الدعاء عليهم ، ثم خرج من قريته التي تضم حوالي (120) ألف شخص و هاجر عنها و هو يحسب أنه خرج من ضيق قومه حيث ابتعد عن الذين أصروا على عدم قبول دعوته ، رغم إنه بذل في إقناعهم جهودا كبيرة ، و لكنه انتقل من مكان ضيق الى ما هو أضيق منه ، في بطن الحوت ، الذي ابتلعه فمكث هناك و هو في حالة كرب شديدة .

[ فظن ان لن نقدر عليه ]

أي إعتقد أنه سيتجه الى الحرية ، بينما كان يتجه الى السجن الرهيب .

ذهب الى شاطىء البحر حيث جاءت سفينة فركب فيها ، و اذا بحوت ضخم يهاجم السفينة ليبتلعها ، فقال أهل السفينة دعونا نقترع فنأخذ واحدا من ركاب السفينة و نلقي به الى الحوت فيترك السفينة تواصل رحلتها ، و هكذا فعلوا فوقعت القرعة عليه كما قال ربنا سبحانه :
" فساهم فكان من المدحضين " ( الصافات / 141 ) .

لما اقترعوا ثلاث مرات خرج اسم يونس فيها جميعا ، و هذا كان من تقدير الله سبحانه ، لسجن نبيه عبرة لنا ، فألقي في البحر حيث يسارع ذلك الحوت الى إبتلاعه و غاص به في الأعماق فأصبح يونس في ظلمات متراكمة ، و هنا أدرك خطأه فأخذ يستغفر ربه و يناجيه ، تائبامعتذرا معترفا بكمال الله تعالى و بنقصانه هو :

[ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت ]

إن الأنبياء معصومون ، ولكنهم يشعرون أمام الله سبحانه بالذنب و التقصير ، و حتى عبادتهم لا يعتبرونها عبادة لفرط إيمانهم بالله ، و تجلي نور الله في أفئدتهم ، و يعتبرون عبادتهم نوعا مــن التقصير بحق الله ، لانها بالتالي عبادات بشر ضعفاء عاجزين لذلك يقول :

[ سبحانك ]

أنت النزيه المقدس ، أما نحن فبشر نتصف بالنقص والجهل و العجز .

[ إنى كنت من الظالمين ]

لأنني من البشر ، وأنا شخصيا أتحمل مسؤولية خطئي ولا أحمله ربي أو الأقدار .

[ 88] [ فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجى المؤمنين ]إن كلمة " ننجي المؤمنين " تعطينا الأمل بأننا مهما فرطنا في جنب الله فان باب الاستغفار مفتوح أمامنا ، و رحمة الله قابلة لأن تسعنا فلا داعي لليأس و القنوط .

دعاء زكريا :

[ 89] [ و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين ]يقول : يا رب أنت الاله ، و أنت الوارث ، و لكني أحتاج الى من يرثني ، وزكريا (ع) لم يكن يطلب من الله وارثا يرث أموره المادية ، إنما كان يطلب وارثا يرث رسالته ، حسبما يبدو لي .

[ 90] [ فاستجبنا له و وهبنا له يحيى و أصلحنا له زوجه ]أي جعلنا له أسرة مثالية .

فيحيى كان نبيا منذ الطفولة ، و زكريا الذي قضى عمرا في تبليغ الرسالة و الدعوة اليها ، و كان شيخ المرسلين و كانت زوجته صالحة ، فكونوا جميعا تلك الاسرة المتكاملة .

[ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ]

هذه الأسرة قامت على أساس المسارعة في الخيرات ، و إن كل تجمع يدور حول محور معين ، وذلك المحور يعتبر روح التجمع ، و الاسرة الفاضلة هي الأسرة التي تتجمع و تتعاون و يندفع أفرادها الى أعمال الخير التي تعود عليهم و على مجتمعهم بالازدهار و التقدم .

[ و يدعوننا رغبا و رهبا ]

و الصفة الأخرى لهذه الأسرة هي المزيد من التوجه الى الله سبحانه ، و العمل بمنهجه ، و التمسك بروح العبادة و جوهر العبادة ، و لب الإيمان و هو الدعاء ، لأنه حبل متصل بين المرء و ربه .

و إذا خافوا من شيء دعوا الله ، و اذا أرادوا شيئا دعوا الله ، و لذلك جاء في محتوى الحديث الذي يخاطب به الله موسى : " إدعني لملح طعامك " .

[ وكانوا لنا خاشعين ]

الخشوع : هو صدق التوجه الى الله ، و عميق المعرفة بالنفس و عجزها و تقصيرها .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس