فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
نهاية الحضارات
[ 96] [ حتى إذا فتحت يأجوج و مأجوج و هم من كل حدب ينسلون ]
أي إن الطريق أمام يأجوج و مأجوج قد انفتح ، فيندفعون مسرعين من الأماكن المرتفعة ليغزوا بلدان العالم ، - أما ذلك السد الذي ذكره القرآن في سورة الكهف - فيكون آنذاك قد انهار ، و ياجوج ومأجوج الذين هم رمز الخراب يكونون قد جاؤوا ، يقول بعض علماء الحضارة: بأن الحضارة أشبه ما تكون بشجرة إذا مر عليها الزمان تتسوس من داخلها ولكنها تبقى قائمة الى أن يأتي من الخارج من يقوم بتحريكها حركة بسيطة فتقع على الأرض ، و هكذا الحضارات يعيث بداخلها الفساد و لكنها تبقى الى أن تأتي موجة بربرية من أطرافها فتقضي عليهاقضاء نهائيا ، و هذه نهاية كل الحضارات في التأريخ .
و لعل هذه الآية تلمح الى إن نهاية الحضارات البشرية تجري هكذا ، باعتبار إن يأجوج و مأجوج قوم برابره همجيون ، يهجمون على هذه المجتمعات و ينهونها .
و يبدو إنه قبل قيام الساعة ستكون هناك موجة بربرية ، و إن الله سبحانه شاء أن ينهي حياة الانسان بيد الانسان نفسه ، أو ليس الظالم سيفه ينتقم به ، و ينتقم منه .
الوعد الحق :
[ 97] [ و اقترب الوعد الحق ]
إذا جاء هؤلاء فاعلم بأن الساعة باتت قريبة ، و إذا جاءت الساعة فالانسان لا يعرف ماذا يعمل ، انه يفقد إرادته و يسيطر عليه الخوف ، و ترى عينه قد وقفت في اتجاه محدد لا تتحول عنه يمنه أو يسرة من هول الموقف و شدة الرعب ، لذا يقول القرآن :
[ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا ]ترى هؤلاء يقولون : إنهم كانوا غافلين عن هذا ، و لكنهم سرعان ما يتذكرون إن غفلتــهم كانــت منهم أنفسهم ، و لذلك لا تكون مبررة لرفع المسؤولية عنهم ، فقالوا :
[ بل كنا ظالمين ]
[ 98] وهذه الأصنام التي تعبد من دون الله ، و يعتقد الانسان انها تكفيه المسؤولــية ، هي و الذين يعبدون سوف يصبحون وقود جهنم ، و يخلدون فيها مهانين ، فكــيف تعبد أيها الانسان هذا الصنم الذي ينبذ في الجحيم ، و يحترق في النار ، و تعتقد أنه سوف ينصرك من دون الله ؟!
[ إنكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ][ 99] [ لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ]
لأن الآلهة لا يعقل أن تدخل جهنم .
[ وكل فيها خالدون ]
الذين عبدوا و الذين عبدوا من دون الله راضين بذلك .
و الولاءات التي يعتقد الانسان انها تكفيه مسؤوليته في الحياة نوعان :
1 - الولاء للصالحين و لكن بصورة خاطئة إتخاذ هذا الولاء بديلا عن العمل ، فمن يوالي رسول الله محمد (ص) ولا يعمل بسنته و تعاليمه ، فانه لن يستفيد شيئا من ولائه .
2 - الولاءات المنحرفة من أساسها كالولاء لرئيس العشيرة ، لرئيس التجمع ، للطاغوت ، لصاحب المال ، لصاحب الجاه ، من دون تقوى .
هــذه الــولاءات خاطئــة من أساسها ، لأن الله سبحانه لم يأذن للانسان باتباع أحد ، إلا أولئك الذين عينهم في القرآن الكريم أو عرفهم عبر بصائر الذكر الحكيم .
[ 100] [ لهم فيها زفير و هم فيها لا يسمعون ]
إنهم لا يملكون سوى الصراخ ، و لكنهم من شدة العذاب و الألم لا يسمعون صراخ بعضهم .
ا لذين سبقت لهم الحسنى :
[ 101) إن المؤمنين الصادقين بعيدون عن نار جهنم ، و هم في شغل فاكهون يتنعمون في الجنة ، بينما هناك أناس يحترقون بالنيران الملتهبة ، و قد صمت آذانهم من شدة زفيرها حتى فقدت حاسة السمع ، تلك النعمة العظيمة التي لم يشكروا الله عليها في الدنيا و لم يستعملوها في طاعته .
[ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ]و الحسنى هي الرسالة الحسنة .. الفكرة الحسنة .. السيرة الحسنة .. وهؤلاء وفقهم الله لها في الدنيا ، و بالتالي فهم مبعدون عن نار جهنم في الآخرة .
[ 102] [ لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ]من نعيم مقيم و حور و ولدان .
[ 103] [ لا يحزنهم الفزع الأكبر و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ]في الآيات القرآنية تأكيد على هذه الفكرة : إن الانسان في الآخرة ينعم بألوان النعم ، و هذا يكفيه جزاء لأعماله الصالحات و لكن الله يعطيه نعمة ثانية ، بان يرسل اليه الملائكــة ليستقبلوه أحسن استقبال و ينقلوا له شكر الله على أعماله و سلامه عليه ، و هذاتكريم معنوي عظيم .
[ 104] [ يوم نطوى السماء كطى السجيل للكتب ]
السجل : هو الغلاف ، و الكتب : هي الأوراق المكتوبة ، فالغلاف يجمع الاوراق المكتوبة و بعد فتح الغلاف تنتشر الأوراق ، هكذا يطوي الله السماوات فتنتهي الدنيا و تقوم الساعة و يأتي يوم الحساب .
هكذا تكون عظمة الساعة ، و لكن مع ذلك يعطي الله السكينة و البشرى للمؤمنين .
و لعل الآية تشير أيضا الى فكرة أخرى هي :
إن إفناء السماوات و الأرض و إعادة خلقها عند الله هو من السهولة مثل الذي يغلق فيها أحدنا كتابا ثم يفتحه مرة أخرى ، وهذا المثال إنما هو لتقريب الأمر الى أذهاننا لا على سبيل المطابقة .
إن تصور هيمنة الله سبحانه على الكون يجعلنا أقرب الى واقعيات الحياة ، و بالتالي الى جدية الحياة و مسؤولياتنا فيها .
[ كما بدأنا أول خلق نعيده و عدا علينا إنا كنا فاعلين ]هذه الآية تشير الى فكرة علمية و هي أن بداية الخلق دليل على نهايته ، و هذه البداية و تلك النهاية شاهدان يكشفان طبيعة و تفاصيل عودة الخلق ، لأن الخليقة و تطوراتها تسير علــى سنة واحدة لو فهم الانسان تطبيقها على ظاهرة فانه سيفهم تطبيقها على بقية الظواهر .
كلمة أخيرة :
إن المشكلة النفسية هي الأساس ، و من دون معالجتها سوف تستمر الأفكار الباطلةعند الفرد ، هكذا تجد القرآن في آخر سورة الأنبياء يذكرنا باليوم الآخر و يصور لنا مشاهده ، و يثير فينا قوة الخيال ، و هي قوة هامة عند البشر ، و على الانسان أن يستفيد منها في تربية ذاته ، فيقول للانسان تصور وقوفك أمام الله ، و تصور لحظةقيام الساعة ، و تصور حينما ينفتح الطريق أمام يأجوج و مأجوج ؟! كل ذلك لتهتز نفسية الانسان ، و يلين قلبه ، و يكون مستعدا لإصــلاح قناعاته ، و إسقاط حجب التبرير عن نفسه .