فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


روح رسالات الله
[ ينزل الملائكة بالروح ]

[2] و الله ينزل الملائكة ملكا بعد ملك ، مؤيدن بالروح ، و الروح - حسبما يظهر من النظر في مختلف الآيات التي تحدثنا عنه - هو : ذلك الملك العظيم الذي يؤيد الله به رسله ، و الذي يأتي الى الأرض في ليلة القدر مع الملائكة و هناك قول آخر يقول : " ان الروح كلمة الحياة التي يلقيها الله سبحانه الى الأشياء فيجيبها لمشيئته ، و عد القاءه و انزاله على نبيه إيحاء في قوله : " و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا " (1) فإن الوحي هو الكــلام الخفــي و التفهيم بطريق الإشارة و الإيماء ، فيكون إلقاء كلمتهتعالى - كلمة الحياة - الى قلب النبي ( ص ) وحيا للروح إليه " (2)و إذا كان الروح ملكـــا ، فإن الباء هنا تدل على الإستعانة ، أي مستعينا بالروح و مؤيدا ، أما اذا كان الروح جوهر الرسالة المركب من نور العلم و الهدى ، وهو الذي يحي البشر كما قال سبحانه : " استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم " فإن الروح يكون النور الذي جاء به الملائكة الى الأرض ، و هذا المعنى قريب أيضا من(1) الشورى / 52

(2) الميزان للعلامة الطباطبائي / ج 12 - ص 206


قوله سبحانه : " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده " .

[ من أمره ]

و الملائكة تصدر انطلاقا من أمر الله ، فلا تعمل حسب أهوائها ، لذلك فهم يهبطون الى عباد الله المصطفين .

[ على من يشاء من عباده ]

فالرسل عباد الله و ليسوا أنصاف آلهة ، أما محتوى الرسالة و جوهرها فهو التالي :

[ أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ]

إخلاص العبادة لله في كل الشؤون ، و الذي يتجسد في التقوى ، هو جوهر الرسالات الإلهية .

[3] و حين ينذر ربنا عباده من الإنحراف عن خط التوحيد ، فان ذلك ينسجم مع أساس الخلق ، حيـث خلق السماوت و الأرض بالحق ، و انه هو المهيمن عليها دون شريك ، فالبشر اذا شذوا عن سنة الكون ، فلا أحد ينقذهم من جزاء إنحرافهم ، لأن ربنا تعالى عن الشركاء الذينيدعوهم الكفار أندادا له سبحانه فلا يغنون من عذاب الله شيئا .

[ خلق السموات و الأرض بالحق تعالى عما يشركون ]

[4] و من هو هذا الإنسان الذي يخالف سنة الكون ؟! أو لم يخلق من نطفة ، فاذا به يتحول الى مجادل يلقي الحجة بعد الحجة . و يختار رأيه الخاص به ، ويفند سائر الآراء بل تراه قد يتحدى سنة الحق بلا استحياء !! .


[ خلق الإنسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين ]

[5] و الانسان بحاجة الى الطبيعة من حوله ، يتفاعل معها ، فلابد ان يكيف نفسه مع السنن العامة التي تحكمها ، فنرى الانعام كالغنم و البقر و الإبل خلقها الله لكي ينتفع بها البشر من عدة أبعاد .

أولا : انها تدفئ جسد الانسان ، بأصوافها و أشعارها .

[ و الانعام خلقها لكم فيها دفئ ]

ثانيا : ان للانعام ( و هي الإبل و البقر و الغنم ) منافع أخرى في أنها تحمل الإنسان . أوليس الإبل سفينة الصحراء أو لم تكن الأبقار أفضل وسيلة للزراعة سابقا ؟! فهي تحرث الأرض و هي تروي الأسرة باللبن و مشتقاته و هي الى جانب ذلك ثروة عظيمة بسبب سرعة تناسلها .

[ ومنافع ]

ثالثا : يأكل الإنسان من الانعام باعتبارها أفضل للغذاء ، و أنسب طعام للإنسان ، و من أخصب الحيوانات نسلا ، و اسرعها نموا ..

[ و منها تأكلون ]

[6] رابعا : و هي تشبع حاجة نفسية للبشر ، حاجة السيطرة على الطبيعة ، و تسخيرها لأهدافه ، و التفاعل معها . إن منظر الأنعام حين تعود من مراعيها بالليل ليريحها أصحابها في مرابضها . إن هذا المنظر يملأ العين بهجة و القلب سرورا ، و يشبع كل أبعاد النفس البشرية التي تحن إلى أمها الطبيعة . كما أن منظرها و هي تسرح أول الشروق ، يطلب أصحابها لها الرزق ، يشبع غرور المسؤولية عندالبشر .

[ و لكم فيها جمال حين تريحون و حين تسرحون ]

إن الحيوانات الأليفة تشبع تقريبا ذات الحاجة النفسية التي يشبعها الأولاد عند أبناء آدم و لكن بدرجة أدنى .

إن خالق الإنسان و جاعل الغرائز في نفسه ، هو خالق الأنعام التي تشبع هذه الغرائز ، و هذا هو الحق الذي أرسى عليه الله بناء السماوات و الأرض .

[7] خامسا : و يحتاج البشر الى مراكب في البر كحاجته إليها في البحر ، و في ذات الأنعام و بالذات في الإبل هذه الفائدة الكبيرة ..

[ و تحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ]أي تحمل الأنعام أحمالكم الى البلاد البعيدة التي يشق عليكم بلوغها .

[ إن ربكم لرؤوف رحيم ]

وفر هذه النعم جميعا لكم لأنه ذو رأفة و رحمة ، و ربما الفرق بين الرأفة و الرحمة يكمــن في أن الأول يلاحظ النفع الحالي ، بينما يلاحظ في الثاني النفع حالا و مستقبلا .

[8] و الـــى جانب الأنعـــام خلــــق الله للإنسان حيوانات أخر للركوب و الزينة ، فيها - تقريبا - ذات المنافع و لكن بدرجات متفاوتة لا يعلمها البشر ..

[ و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة و يخلق ما لا تعلمون ]من أنواع المنافع المادية و المعنوية التي لا نعلم مدى حاجتنا إليها .


[9] و الله الذي خلق كل هذه النعم فصل لنا كيف نستفيد منها ، و وضع البرامج التي تمنع الإسراف أو الإفساد فيها ، أو الشذوذ في الإستفادة منها !!.

[ و على الله قصد السبيل ]

فقد كتب على نفسه الرحمة فبين بفضله الطريق القاسد المستقيم إلى الغايات النبيلة ، فلأنه الذي خلق تلك الأحياء لفائدة البشر ، فهو العليم بمنهاج الإنتفاع بها ، فهو الذي يبين لنا السبيل المستقيم في ذلك ، و لكنه لم يجبرنا على ذلك جبرا ، فمن الناس من يسلكون السبيل الجائر المائل عن الحق .

[ و منها جائر و لو شاء لهداكم أجمعين ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس