فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
جزاء المتقين
[30] تلك كانت نظرة المستكبرين الى الرسالة ، أما المؤمنون الذين أتقوا فلم تحجب الذنوب عقولهم عن فهم الحقائق فإذا سئلوا عن الرسالة قالوا أنها خير .
[ و قيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا ]
و لا يذوق حلاوة الايمان غير المتقين و ابرز سمات المتقين هو الأحسان الذي يثمر حسنات في الدنيا و الآخرة .
[ للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة و لدار الآخرة خير و لنعم دار المتقين ][31] أما دار المتقين فهي متمثلة في جنات خالدة .
[ جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاؤون ]و هذا الإطلاق يدل على ان اهل الجنة تتحقق امانيهم هناك ، فهم راضون عن وضعهم بالكامل ، و هذا الرضا لا يتحقق ابدا في الدنيا ، حتى قال قائلهم : ما كلما يتمنى المرء يدركه ! و هذا فارق كبير بين أهل الجنة و أهل النار .
[ كذلك يجزي الله المتقين ]
أما غيرهم من المؤمنين فأنهم يظلون في نار جهنم حتى تذهب آثار الذنوب التي ارتكبوها ، و بعدئذ يدخلون الجنة .
[32] و المتقي يبقى في خطر عظيم حتى يأتيه اليقين و هو الموت ، اذ يخشى ان تزل قدمه قبل ان يصل الى نهايته فاذا استمر على الهدى حتى الموت فهو الطيب .
[ الذيـن تتوفــاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ]و بالرغم من أن هناك مسافة زمنية واسعة بين الموت و دخول جنات الخلد ، الا ان الملائكة تبشر المتقين عند موتهم بانهم داخلوها حتما ، مضافا الى أنهم يعيشون خلال الفترة في جنان و رياض مماثلة بجنات الخلد ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
[33] أما غير المتقين ، فان أكبر خطأ لهم انهم ينتظرون احاطة الخطر بهم حتى يعترفوا به ، و آنئذ لا ينفعهم ايمانهم ، ذلك أن الدنيا دار اختبار و انما يختبر مدى ايمان الفرد و تقواه ، و قوة ارادته و عقله إذا انذر بالخطر و أبلغ بالحقائق قبل ان يراها ، أمابعدئذ فكل الناس سواء ، و كل شخص يهرب من الخطر الذي يبصره ، و لكن العقلاءوحدهــم يتجنبون الخطر في الوقت المناسب ، و عندما تأتيهم نذره . و تظهر لهم ارهاصاته .
[ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ]
أي هل ينتظرون الملائكة حتى يؤمنوا ، و اذا نزلت الملائكة انعدم الإبتلاء .
[ أو يأتي أمر ربك ]
من العذاب ، فآنئذ يؤمنون ، و ماذا ينفعهم ايمانهم اذ رأوا العذاب ؟
[ كذلك فعل الذين من قبلهم ]
فدمرهم الله شر تدمير .
[ و ما ظلمهم الله و لكن كانوا أنفسهم يظلمون ]
ان مــثل هؤلاء كمثل رجل يبصر بعينه بئرا فلا يعترف بها حتى يقع فيها و تتهشم عظامه ، فيقول الآن آمنت انها كانت بئرا ! فلماذا إذا زودت بعين ، أو ليس لكي ترى أمامك الطريق ؟! و تتجنب البئر قبل الوقوع فيه .
لماذا زود الانسان بالعقل ؟ أوليس لكي يبصر الغيب ، أما الشهود فيحس به حتى الحيوان ! و لماذا زود بالارادة ؟ أو ليس لكي يتحدى الشهوات ، أما الاسترسال معها فانه ليس بشيء ! هكذا الخطر متى يقدر الانسان على معالجته ؟! عندما ينتبه له بسبب علاماته المبكرة، أما اذا أحدق به فكيف الفرار ؟!
[34] هكذا قامت الدنيا على أساس الانتفاع بالعقل و الارادة ، و الكفار لم يستفيدوا منهما .
[ فأصابهم سيئات ما عملوا و حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ]اي حل بهم الفكر الذي استهزؤوا به ، فقد انتقم منهم الفكر الحق الذي سخروا منه ، كما ان افعالهم السيئة ، تحولت الى مشاكل و صعوبات دمرت حياتهم .
[35] إذا فأن انتظار تحول الحق المبلغ به الى واقع مشهود خطأ كبير ارتكبه الهالكون من قبلنا ، و علينا تجنبه ، و خطأ آخر هو القدرية ، و الاعتقاد بان الله لم يتركنا أحرارا في تصرفاتنا ، الا لأنه فوض الينا شؤون الحياة فيه نفعل كما نشاء ، و لو كان يريد غير ذلك لأجبرنا على ترك عبادة الطغاة .
[ و قال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء ]فلا عبدنا المال المتمثل في الرأسمالية ، و لا عبدنا القوة المتمثلة في الطاغوت ، و لا عبدنا التراث المتمثل في الاباء .
[ نحن و لا آباؤنا و لا حرمنا من دونه من شيء ]
فقلنا هذا حلال و هذا حرام حسب اهوائنا ، كما فعل الجاهليون ، حينما حرموا البحيرة و السائبة ، و كما يضع الجاهليون اليوم قوانين تكبل طاقات الناس . و بتعبير آخر لم نخضع لسيادة السلطة الفاسدة ، و لم نطبق التشريعات البشرية .
[ كذلك فعل الذين من قبلهم ]
عبدوا الطاغوت ، و شرعوا لأنفسهم ، و ادعوا ان الله فوض اليهم ذلك الأمر ، و لكن لماذا بعث الله الرسل ؟
[ فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ]
فلا الله فوض أمر الحياة الى البشر ، لأنه بعث الرسل ، و لا أنه يريد ان يكره الناس على الهداية ، فاذا لم يكرهم فهو راض عنهم ، لأن مهمة الرسل تنتهي عند البلاغ ، لتبدأ مسوؤلية الأنسان نفسه .
|