فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


الوفاء لا النقض
[91] المجتمع الذي يمتلك اساسا لعلاقاته ، و ركيزة يعود اليها عند الضرورة ، يستطيــع ان يتبـادل بسهولة ، و المجتمع الاسلامي قائم على اساس الإلتزام بالعهد و اليمين ، اللذين يؤكدان اسم الله .

[ و أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها و قد جعلتم الله عليكم كفيلا ]فلأن ابناء المجتمع يتمسكون بقيمة التوحيد ، و لأنهم لا يضحون بأيمانهم ابتغاء عرض الحياة الدنيا ، فإنهم يعتمدون على بعضهم في أمورهم الاقتصادية ، و حتى في شؤونهم السياسية .

إن الثقة المتبادلة هي أعظم رصيد يملكه المجتمع المسلم في معاملته مع بعضه ،ذلك لأن شرف التوحيد يأبى لهم ان يغدروا ببعضهم و هم يؤمنون برعاية الله عليهم .

[ إن الله يعلم ما تفعلون ]

[92] تروي قصص العرب أن امرأة قرشية خرقاء كانت تغزل هي و جواريها عرض النهار ، فاذا أمسى نقضت الغزل ، و تركته كحالته السابقة انكاثا ، لا فتل فيه ولا ابرام ، فنهى القرآن الحكيم أن نكون مثلها ، نتعب أنفسنا في أمر الدين حتى اذا أحكمناه عدنا ننقضه بنكثالعهد و نقض القسم .

[ ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ]

اي مثل " ريطة بنت كعب " خرقاء مكة التي غزلت بقوة ، ثم نقضت من بعد قوة .

[ أنكاثا ]

جــاء فـي ( المجمع ) : و كل شيء نقض بعد الفتل فهو أنكاث ، حبلا كان أو غــزلا .

[ تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ]

أي تستخدمون اليمين وسيلة للغدر ، و الدخل - في الأصل - كلما دخل الشيء ، و ليس منه ، و يكن به عن الخدعة و الخيانة .

[ ان تكون أمة هي أربى من أمة ]

أي بهدف ان تكون أمة أعلى من أمة اخرى و تتسلط على اختها و تحافظ على سيطرتها بالخداع .


و ما الحلف و العهد ، و ما نوازع السلطة و الاستعلاء إلا ابتلاء الهي .

[ إنما يبلوكم الله به ]

و لن يصبح الحق باطلا بتضليل الناس ، و لن يصبح السيء صالحا بتبريره للنفس أو للآخرين ، اذ ان هناك يوما يكشف الله فيه الحق لكل الناس .

[ و ليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ]

[93] و لكــن لماذا لم يبين الله في الدنيا واقع الخداعين ، المتسلطين على رقاب الناس ؟ ان لهذا حكمتين :

الاولى : ليمنح نعمة الهدايــة للبعض ، و يسلب نور العقل من آخرين حسب اختيارهم هم ، لا حسب علمه سبحانه .

الثانيـــة : ليجازي صاحب الخير ، و فاعل الشر بالعمل الذي مارسوه بكل اختيار و حريــة .

[ و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن يضل من يشاء و يهدي من يشاء و لتسألن عما كنتم تعملون ]

فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس