فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
قصة الاسراء
بينات من الآيات
بسم الله الرحمن الرحيم
" بسم الله " ذي القدرة و العظمة ، و النور و الكمال ، و الفضل و الانعام " الرحمن الرحيم " .
ابتدأت السـورة بالتسبيح ، و التسبيـح يـدل على التنزيه و التقديس ، و مادتها من ( سبح ) اي نزه ، و معنى ذلك أن نعبد الله عن أي نقص أو عجز أو حد .
ان العقل البشري لا يستطيع ان يدرك الا الأمور القريبة من ذهنه أو المتعارفة في الطبيعة ، و لكنه يعجز عن ادراك ما وراء ذلك ، و لو اراد الانسان ان يتصور الله لتصوره في حدود مفاهيمه و معارفه . حيث ان بعضهم قال : ان الله " سبحانه و تعالى عمايقولون " على صورة انسان اعلاه مجوف و اسفله مصمت ، و هو نور ساطع يتلألأ ، و له حواس خمس . (1)و التاريــخ يدلنا على : ان الامم الكافرة و المشركة ، انما تصورت الله في حدود معارفها ، فالامة التي كانت بحاجة الى الزراعة و الرعي كانت تقدس الماء او البقر أو كليهما باعتبارهما آلهة .
و الامة التي كانت بحاجة الى الانواء و النجوم لتهتدي بها في السفر ، كانت تتصور الله نجما أو قمرا أو شمسا ، اما الامة التي كانت تعيش ضمن القبيلة و التقاليد الموروثة ، فانها كانت تقدس الجد الاكبر لها ، و بالتالي فانهم كانوا يتصورون الله شيخا كبيرا ذالحية بيضاء .
و قد جاء في بعض الكتب الحديثة التي انطلقت من الغرور العلمي ، احاديث مسهبة خلاصتها :
( انه لمــا كــان اللــه موجودا في كل مكان و ليس له صوت و لا صورة فهو اذا الجاذبيـــة ) .
و قال بعضهم بان الله هو الوجود .
و روي عن الامام الصادق (ع) :
" و لو ان النملة تصورت ربها لتصورت له قرنين " (2) .
و من أجل ان يقطع الانسان على نفسه الدخول في هذه الدائرة عليه أن يقول :
(1) بحار الانوار / ج 3 - ص 289 نقلا عن بعض الجهلة .
(2) الحديث منقول بمحتواه و ليس بنصه .
" سبحان الله " فينزهه لانه اجل من ان يتصور ، و في حديث عن الامام الباقر (ع) يقول حين سأله ابن ابي نجران عن التوحيد : أتوهم شيئا ؟ فقال :
" نعم غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الاوهام ، كيف تدركه الاوهام و هو خلاف ما يعقل ، و خلاف ما يتصور في الاوهام . انما يتوهم بشيء غير معقول و لا محدود " (1)و بالتالي فان كل ما نتصوره مخلوق مردود الينا ، و الشيء الوحيد الذي يمكن ان نقوله عن ربنا هو " سبحان الله " فاننا متى ما قلنا ذلك اقتربنا الى الله خطوة .
جاء في الحديث عن الامام الباقر (ع) و قد سأله البعض : يجوز ان يقال الله انه شيء ؟ فقال :
" نعم تخرجه من الحدين حد التعطيل ، و حد التشبيه " (2)و هذا معنى الاعتراف بالله ، لذلك بدء القرآن حديثه بالتسبيح فقال :
[1] [ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ]ما هي علاقة تقديس الله و تنزيهه بالحادثة التاريخية التي وقعت لرسول الله (ص) و هي حادثة الاسراء و المعراج ؟
قال بعض المفسرين ان التسبيح هنا بمعنى التعجب اي عجبا . كيف اسرى الله(1) المصدر / ج 3 - ص 266
(2) المصدر / ص 262
بعبده من البيت الحرام الى المسجد الاقصى ثم عرج به الى السماء هذا صحيح . و لكن يبقى السؤال ما هي العلاقة بين التسبيح و التعجب ؟ الواقع اننا حين نتعجب من شيء ، فان الشيطان و النفس الامارة بالسوء يوسوسان لنا بأن ذلك الشيء هو عظيم الى حد الالوهية ، و من أجل ان نبتعد عن هذا الشرك علينا ان نسبح الله و ننزهه لنتذكر بأنه اكبر من أي شيء عجيب قد يبهرنا .
و هكذا عندما اسرى الله بالنبي (ص) من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، ثم عرج به الى السماء كان من الممكن ان يعتقد البعض بان النبي (ص) هو الإله ، لذلك كان يلزم ان تبدأ القصة بـ " سبحان الله " .
و لمفردات اللغة العربية معان دقيقة فمثلا : اذا ذهب احدهم في أول الصباح الى مكــان مـا يقــال عنه ( بكر ) و اذا كان بعــد ذلــــك بقليــــل قيــــل ( صبح ) و بعــد مــدة ( غدى ) ثم ( أضحى ) و في النهار يقال ( سرب ) و اما في الليل فيقال ( سرى ) .
و القرآن فـي هذه الآية يقول " سبحان الذي اسرى بعبده " يعني اسرى به في الليل ، فلماذا تقول تتمة الآية : " بعبده ليلا " ؟
قد يكون ذلك لما يلي :
أولا : اســــرى بعبده اي ذهب بالليل ، و لكن هل كان رجوعه في الليل ايضا ؟ ان كلمة " ليلا " جاءت هنا لتؤكد على ان الذهاب و الاياب كان في الليل ، تأكيدا لمعجزة الإسراء .
ثانيا : قد يكون تأكيد الآية على ان هذا الحدث العجيب قد تم في الليل ، حيث السكون و الهدوء ، و حيث لا يتم الانتقال فيها إلا قليلا ، ثم ان العروج الايماني يتم في الليل اكثر من النهار ، قال ربنا : " ان ناشئة الليل هي اشد وطأو أقوم قيلا " .
اما محــل انطلاق رسول اله (ص) للاسراء فقد اختلفت الروايات في ذلك ، فمنهم من قال : بانه خرج من المسجد الحرام ، و بعض قال : من بيت أم هاني بنت ابي طالب ، و لكن يمكن جمع الخبرين بالقول : ان الرسول (ص) كان في بيت ام هاني ، ثم خرج الى المسجد الحرام ، ومن هناك بدأ رحلته الى المسجد الاقصى ، اي المسجد الابعد من المسجد الحرام .
و اما العروج فقد كان من المسجد الاقصى الى السماء ، حيث رأى آيات ربه الكبرى ، اذ يقول تعالــى : " لنريه من آياتنا " و في آية أخرى يقول : " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " (1) و لكن ما هي تلك الآيات ؟ و اين هي ؟
القرآن لا يحدثنا عن هذه الآيات انما نجد هناك اشارات الى هذه الآيات في الاحاديث كما سيأتي ذكره .
اما كيف تمت تلك الآيات و الحوادث في ليلة واحدة في حين انها تحتاج الى مدة مديدة ؟ فان ذلك اثار التساؤلات لدى العلماء ، فقال بعضهم : بان الزمان في الفضاء الاعلى يختلف عما هو عليه في كرتنا الارضية ، و لهم في ذلك بحوث مطولة لا يسع المجال لذكرها ، و اساسا هناك تساؤلات حول كيفية حدوث الاسراء لشخص الرسول كالتالي :
1 - كيف قطع الرسول المسافة بين المسجدين في ليلة ، علما بانها كانت تقطع في ذلك الزمان في اسابيع ؟
2 - و بعدئذ كيف اخترق جاذبية الارض الى الفضاء ، و نحن اليوم لا نقدر(1) سورة النجم / 18
على مثله الا بمركبات فضائية متطورة و معقدة ، و مع ذلك فانها لا تستطيع ان تعمل الا في حدود ضيقة جدا ، بالنسبة الى الرسول صلى الله عليه و آله ؟
3 - و اذا كانت السموات جميعا عرصة رحلة الرسول ، فيقتضي ذلك ان تكون سرعة المـركبــة اضعاف سرعة النور بملايين المرات ، لان الرسول قطع - حسب الروايات - تلك المسافات في ساعات .
و تساؤلات أخرى جعلت طائفة من العلماء يشككون انفسهم في المعراج ، حتى ان بعضهم أوله بأن روح الرسول هي التي عرجت و ليس النبي (ص) بجسمه و روحه .
بيد ان اجماع علماء آل البيت عليهم السلام قائم على ان العروج كان بالجسم و الروح كما يحكيه شيخ الطائفة الطوسي ( قدس الله سره ) و الشيخ الطبرسي ( ره ) و العلامة المجلسي و آخرون . (1)و هكذا ذهب اكثر المحققين من علماء المسلمين الى ذلك و عليه روايات صحاح مشهورة حسب ما يحكيه المفسر المعروف الرازي . (2)و يدل على ذلك :
أولا : ان الآية صريحة على ان العروج تم " بعبده " كما جاء في هذه الآية و تصرح آيات سورة النجم بقوله : " ولقد راه نزلة اخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * اذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر و ما طغى * لقد رأى من آيات ربهالكبرى " . (3)
(1) راجع تفسير نمونه / ص 13 - ج 12
(2) المصدر ، و يراجع ايضا تفسير الرازي
(3) سورة النجم / 13-18
و هذا التعبير صريح في ان العروج تم به و ليس بروحه (ص) .
ثانيا : ان الرسول (ص) قص على الناس في مكة و اكثرهم كفار قصة المعراج ، فكذبوه و أخبرهم بما رأى في الطريق مما ظهر صدقه لهم بعدئذ ، و لو ان العروج كان بروحه في مثل النوم ، لكان الامر غير ذي بال ، و لا يثير التساؤلات عندهم .
و على العموم لابد ان نعرف : ان عروج الرسول لم يكن مثل صعود المركبات ، بل كان اعجازا مثل صعـــــود عيســـــى و ادريس (ع) و مثل ما فعل الله سبحانه و تعالى لانبيائه ( عليهم السلام ) من طوفان نوح ، و خمود النيران لابراهيم (ع) و ابتلاع عصى موسى (ع) لحبال سحرة فرعون و احياء الموتى على يد عيسى بن مريم (ع) .
و كما القرآن اعجاز تحدى كل العلماء و البلغاء ، و لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله ، كذلك اسراء النبي (ص) و معراجه .
اما كيف تم ذلك فان العلم يتقدم ، و امامه طريق طويل حتى يستطيع ان يكشف أسرار هذه الرحلة المادية الروحية العجيبة .
بلى فهذا العلم تقدم خطوات ، و اظهر ان قطع المسافة بين المسجدين في ليلة واحدة ممكنة ، ثم تقدم و اثبت ان الصعود الى الفضاء هو الآخر ممكن بصورة اجمالية ، بينما كان الأمران محالان عند السابقين حين تمت رحلة الاسراء و المعراج ، و سوف يتقدم و يتقدم ليكشفبعض اسرار الرحلة المعجزة .
و أخيرا لنعلم ان عروج الرسول كان رحلة روحية ايضا ، بالاضافة الى انه كان رحلة مادية ، حيث شاهد الملائكة و الانبياء السابقين ، و الجنة و النار و من فيهما .
|