فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
حديث المعراج
انتهينــا في الدرس الماضي من الحديث عن الاسراء ، و نواصل هنا الحديث عن المعراج ، هذا الحديث يقول :
قال رسول الله (ص) : " فصعد جبرئيل و صعدت معه الى السماء الدنيا ( يعني أقرب سماء الى الارض ، فان لفظة دنيا مؤنث أدنى ، و ادنى مقابل اقصى ) و عليها ملك يقال له اسماعيل ، و هو صاحب الخطفة التي قال الله عز و جل " الا من خطفالخطفــــة فاتبعــــه شهــاب ثاقب " و تحته سبعون الف ملك و تحت كل ملك سبعون الف ملــك " (1) .
فقال : يا جبرئيل من هذا الذي معك ؟ فقال : محمد رسول الله (ص) قال : و قد بعث ؟ فقال : نعم ، ففتح الباب ( كأن للسماء بابا و لكن ليس كالابواب المتعارفة لدينا ) فسـلمت عليه ، و سلم علي ، و استغفرت له ، و استغفر لي ، و قال : مرحبا بالاخ الصالح ، و النبي الصالح ، و تلقتني الملائكة حتى دخلت السماء الدنيا ، فما لقيني ملك الا ضاحكا مستبشرا ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، لم ار اعظم خلقا منه ، كريه المنظر ، ظاهر الغضب ، فقال لي مثلما قالوا من الدعاء ، الا انه لم يضحك ، و لم ار فيه من الاستبشار ما رأيت منضحك الملائكة ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فإني قد فزعت منه فقال : يجوز ان يفزع منه ، فكلنا نفزع منه ، ان هذا مالك خازن النار ، لم يضحك قط ، و لم يزل منذ ان ولاه الله جهنم ، يزداد كل يوم غضبا و غيضا على اعداء الله و أهل معصيته ، فينتقم الله به منهم ، ولو ضحك الى احد قبلك او كان ضاحكا الى أحد بعدك لضحك اليك ، فسلمت عليه فرد السلام علي ، و بشرني بالجنة ، فقلت لجبرئيل : ألا تأمره ان يريني النار ؟ فقال له جبرئيل : يا مالك أر محمد النار ، فكشف عنها غطاءها ، و فتح بابا منها فخرج لهب ســاطع في السماء ، وفارت ، و ارتفعت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت ، فقلت : يا جبرئيل : قل له : فليرد عليها غطاءها ، فأمره فقال لها : ارجعي فرجعت الى مكانها الذي خرجت منه " (2)(1) مكلفون بإدارة السماء الأولى فقط ، و هناك احاديث تصف بعض الملائكة فتقول بان جناح الواحد منهم يمتد ما بين المشرق و المغرب ، أو ان الواحد منهم يحمل ثقل الارض كلها فوق جناحه ، و ما هذه الاشارات الا الى سعة السماوات .
(2) و من هذا الحديث يبدو أن جهنم ضمن اطار السماء الاولى و هي اقرب سماء الينا ، و قد تكون جهنم مثلا كرة ملتهبة من هذه الكرات الموجودة في احدى هذه المجرات ، او شمس من الشموس العتيقة التي تحدث فيها انفجارات هائلة تتجاوز عظمتها ملايين المرات عما هي عليه القنابل النووية في الدنيا ، أو يكون ما راه سيدنا و نبينا محمد (ص) جانبا من جهنم و الله العالم .
ثم مضيت فرأيت رجلا ادما جسيما ، فقلت : من هذا يا جبرئيل ؟ فقال : هذا ابوك آدم ، فاذا هو يعرض عليه ، فيقول : روح طيبة ، و ريح طيبة من جسد طيب ، ثم تلى رسول الله (ص) سورة المطففين على رأس سبع عشر آية " كلا ان كتاب الابرار لفي عليين * و ما أدراكما عليون * كتاب مرقوم * يشهده المقربون " ( الى آخر الآيات ) قال : فسلمت على أبي آدم ، و سلم علي ، و اسغفرت له ، و استغفـر لي ، و قال : مرحبا بالابن الصالح ، و النبي الصالح ، المبعوث في الزمن الصالح .
قال : ثم مررت بملك من الملائكة جالس على مجلس ، و اذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، و اذا بيده لوح من نور ينظر فيه ، مكتوب فيه كتاب ينظر فيه ، لا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت من هذا يا جبرئيل ؟ قال : هذا ملك الموت ، دائب في قبضالارواح ، فقلت : يا جبرئيل أدنني منه حتى اكلمه ، فأدناني منه ، فسلمت عليه ، و قال له جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله الى العباد ، فرحب بي و حياني بالسلام . قال : ابشر يا محمد . ارى الخير كله في امتك ، فقلت : الحمد لله المنان ، ذي النعم على عباده ، ذلك من فضل ربي ، و رحمته علي ، فقال جبرئيل : هو أشد الملائكة عملا ، فقلت : اكل من مات أو هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه ؟ فقال : نعم ، قلت : و تراهم حيث كانوا ، و تشهدهم بنفسك ؟ قال : نعم ، فقال ملك الموت : ما لدينا كلها عندي فيما سخر الله لي و مكنني عليها الا كالدرهم في كف الرجل يقلبها كيف يشاء ، و ما من دار الا و انا اتصفحه كل يوم خمس مرات ، و اقول اذا بكى اهل الميت على ميتهم ، لا تبكوا عليه فان لي عودة و عودة حتى لا يبقى منكم احد فقال رسول الله : كفى بالموت طامة يا جبرئيل ، فقال جبرئيل : انما بعد الموت اطم و اطم من الموت .
قال : ثم مضيت فاذا انا بقوم بين ايديهم موائد من لحم طيب ، و لحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيــث ، و يدعون الطيب ، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : الذينيأكلون الحرام ، و يدعون الحلال ، و هم من امتك يا محمد ، فقال رسول الله (ص) : ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله أمره عجيبا . نصف جسده النار ، و النصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ، و لا الثلج يطفئ النار ، و هو ينادي بصوت رفيع و يقول : سبحان الذي كفى حر هذه النار فلا تذيب الثلج ، و كفى برد هذا الثلج فلا يطفئ حر هذه النار . اللهم يا مؤلــف بين الثلج و النار الف بين قلوب عبادك المؤمنين ، فقلت : من هذا يا جيرئيل ؟ فقال : هذا ملك وكله الله بأكناف السماء و اطراف الارضين ، و هو انصح ملائكة الله لأهلالارض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق ، و رايت ملكين يناديان في السماء و أحدهما يقول : اللهم اعط كل منفق خلفا ، و الآخر يقول : اللهم اعط كل ممسك تلفا .
ثم مضيت فاذا انا باقوام لها مشافر كمشافر الابل ، يقرض اللحم من جنوبهم و يلقي في افواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال هؤلاء الهمازون اللمازون ( المغتابون النمامون ) .
ثم مضيت فاذا انا بقوم ترضخ رؤوسهم بالصخر ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ، ثم مضيت فاذا انا بأقوام تقذف النار في افواههم و تخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرائيل ؟ قال : هؤلاء " الذين يأكلون اموالاليتامى ظلما . انما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا " ثم مضيت فاذا انا بأقوام يريد احدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون الربا " لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " و اذا هم بسبيـل آل فرعون يعرضون على النار غدوا و عشيا .. يقولون : ربنا متى تقوم الساعة ، قال : ثم مضيت فاذا انا بنسوان معلقات باثدائهن ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل ؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن اموال ازواجهنولاد غيرهم (1) ثم قال رسول الله (ص) :
اشتد غضب الله على امرأة دخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطلع على عوراتهم و اكل خزائنهم .
ثم قال : مررنا بملائكة من ملائكة الله عز وجل : خلقهم الله كيف شاء ، و وضع وجوههم كيف شاء ، و ليس شيء من اطياف اجسادهم الا وهو يسبح الله و يحمده من كل ناحية باصوات مختلفة ، فسألت جبرئيل عنهم ، فقال : كما ترى خلقوا . ان الملك منهم الى جنب صاحبه ما كلمه كلمة قط ، و لا رفعوا رؤوسهم الى ما فوقها ، و لا خفضوها الى ما تحتها خوفا من الله و خشوعا ، فسلمت عليهم فردوا علي ايماءا برؤوسهم من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبي الرحمة ، ارسله الله الى العباد رسولا و نبيا ، و هو خاتم النبيين ، و سيدهم ،افلا تكلمونه ؟ فقال : عندما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي بالسلام و اكرموني و بشروني بالخير لي و لامتي .
|