فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[45] [ و إذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ]
من الطبيعي ان الذين يتذكرون الموت و يؤمنون بالآخرة و ما تشتمل عليه من ثواب و عقاب ، فانهم يشعرون بالمسؤولية دائما ، وينظرون الى القرآن نظرة واقعيةبعيدا عن الرؤى و الخيال ، بل نابعة عن موضوعية كاملة و تدبر ، و لذا فان افئدتهم بصيرة و بصيرتهم نافذة . اما الذين لا يؤمنون بالآخرة فانهم محجوبون عن الواقع بسبب عدم ايمانهم .
و قد قال المفسرون عن " حجابا مستورا " انه لم يكن احد من الكفار يمكنه رؤية الرسول (ص) حينما يقرأ القرآن حتى لا يصيب رسول الله بأذى .
و يبدو ان التفسير الاقرب القول بان الحجاب المستور ، و هو النظرة السلبية التي يتخذها الكفار ازاء آيات القرآن و الآيات التالية تفسر - فيما يبدو لي - معنى الحجاب المستور .
[46] [ و جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ]
لكي لا يفقهوا القرآن ، جعل الله قلوبهم في اكنة . و لفظة الاكنة ، جمع للفظة كنان و هو الستر و هذا الستر هو ذلك الحجاب المستور الذي ضربه الله بين القرآن و بين قلوب الذين كفروا بالآخرة عقابا لهم على تكذيبهم بالبعث ، و استهانتهم بقدرة الله على اعادة الخلق و استجابتهم لشهواتهم و عصبياتهم .
و نتساءل هل هذا الحجاب هو تلك السنة الالهية التي جرت في خلقه ان من يتعصب لفكرة فاسدة فانه لن يرى الحقيقة ، ام انه فعل الهي جديد ، حيث يزيد الله الكافرين ضلالة و كفرا ، و يدعهم في ظلمات يعمهون ؟
بلى انه فعل جديد ، انه حجاب يجعله الله بين الكفار و القرآن . و انه لعقاب عظيم ان يشاء الله ضلالة البشـــر ، بعد ان كفر بالهدى ، و ان علينا الحذر أبدا من هذا العقاب العظيم ، و نسأل الله دائما الهداية ، والا يضلنا بعد ان هدانا ، انه مجيب الدعاء .
[ و في اذانهم وقرا ]
الوقر : هو الثقل . والاذن الوقرة هي الثقيلة السمع . و في هذه الحالة لن يكون باستطاعة الاذن اداء وظيفتها بشكل جيد ، كما انه اذا ما اصيب العقل بضعف فسوف لن يستوعب ما تنقله الاذن ولا سائر الجوارح .
[ و إذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولو على أدبارهم نفورا ]و لان الكفار لم يعتقدوا بوحدانية الله فانهم كانوا ينفرون من سماع القرآن لان أفكار القرآن تخالفهم و انما كان فرارهم بسبب خوفهم من صحوة الضمير .
[47] ان جوارح البشر نوافذ قلبه على العالم الخارجي ، و اذا كان القلب قد ران عليه الشهوات و التعصب لافكار باطلة ، فان الجوارح تشل أو تعمل خلاف المطلوب ، ذلك ان القلب المريض سوف يفسر كل الحقائق التي تتوارد عليه عبر الجوارح تفسيرا باطلا يتناسب و امراضه التي رانت عليه و كما ان من يضع على عينيه نظارة ملونة يرى كل شيء بذلك اللون ، كذلك من وضع على قلبه سماعة مضللة فانه يسمع كل شيء عبرها ، بصورة خاطئة ، انه قد صنع لنفسه قوالب ثقافية معينة يضع كل معلوماته الجديدة فيها فلا يزداد بالحقائق الا ضلالا ، ربنايقول :
[ نحن أعلم بما يستمعون به ]
و لعل ( الباء ) هنا للاستعانة و تعبر عن تلك الاحكام المسبقة و القوالب الفكرية الجاهزة التي بها يستمعون الى الحقائق فيفسرونها حسب اهوائهم و الآيات التالية توضح تلك القوالب :
[ إذ يستمعون إليك و إذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلارجلا مسحورا ]
كانوا يبررون مواقفهم بحجج واهية يقولون انه مسحور و ليس بساحر يمارس الكذب و الدجل بينما كانوا يدعون الرسول (ص) ( بالصادق الأمين ) فلم يبق هناك مجال للتهمة ســـوى القول بانه مخدوع بسحر الساحرين فهو مسحور . و يسفه القرآن هذه التهمة فيقــول :
[48] [ انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ]لانهم اتهموا رسول الله (ص) تهما واهية و اضلوا الطريق ، و انحرفوا عن الجادة ، و بذلك صاروا لا يفقهون آيات القرآن و لا يعرفون مغزاها ، و لا يهتدون الى سبيل الحق .
و كما قلنا سلفا : ان الايمان بالآخرة ضمان للتفكير السليم في الحياة ، و ان الكفار لم يكتفوا بانكار الآخرة ، و انما كانوا يسعون لتبرير اعتقاداتهم بافكار سخيفة ، و شبهات واهية ، و منها الشبهة التالية :
[49] [ و قالوا ء إذا كنا عظاما و رفاتا ء إنا لمبعوثون خلقا جديدا ]اذا كان الانسان مبعوثا يوما ما فلم يصبح رفاتا اي خلقا يتلاشى ؟
هذا ما كان يتساءل الكفار عنه مستنكرين فاجابهم الله :
[50] - [51] [ قل كونوا حجارة أو حديدا * أو خلقا مما يكبر في صدوركم ]فسواءا كنتم حجارة أو حديدا أو اي شيء آخر ، تتصورونه في اذهانكم كبيراكالجبال و البحار و الصحاري و ما الى ذلك .
[ فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ]
و بديهي ان الخلق ثانية اهون من الخلق ابتداءا . و لعل الكفار كانوا يزعمون ان الحديد و الحجر لا سبيل الى التحكم فيهما ، باعتبارها صلبة ، و ليــــس كاللحــم و العظم - في نظرهم - او يزعمون انهما ابعد عن الخلق باعتبارهما جامدين بخلاف البشر المركب من مواد حية .
و اجاب السياق عن شبهتهم بان كلامهم يخضع لمقاييس المخلوقين اما الخالق فهو على كل شيء قدير .
[ فسينغضون أليك رؤوسهم و يقولون متى هو ]
اي سيهزون رؤوسهم و يمدونها الى الامام في هيئة الشخص المتعجب و يتساءلون متى موعدنا ان كان لنا موعد ؟
فمن عادة الانسان انه اذا احتمل في امر احتمالين ، فانه يحتمل وقوع الايسر منهما و يستبعـد وقوع الاحتمال الثاني ، و يشير هنا ربنا الى استبعاد الانسان وقوع الآخرة ، و لكنه تعالى يؤكد له هذا الاحتمال فيقول :
[ قل عسى أن يكون قريبا ]
اذ ان مجرد اعتقاد الانسان بانه قد يترك الدنيا في اية لحظة و ان القيامة ستقوم متى اراد الله يجعله متقيا لله في اعماله صغيرها و كبيرها .
[52] [ يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده و تظنون إن لبثتم إلا قليلا ]فليست الدنيا من الآخرة الا قليل ، اذ ان معدل عمر الانسان في الدنيا هو سبعون سنة أو اكثر من ذلك بقليل ، و ليس لهذه السنين قيمة امام الخلود في الآخرة - أما في الجنة و أما في النار - .
|