فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الآلهة الزائفة
[56] [ قــل ادعــوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ]
لابد ان نجعل الايمان بالله محورا لحياتنا و تحركنا ، لان ما دونه من الآلهة لنتستطيع ان تنفعنا او تضرنا ، و هم بالاضافة الى ذلك اعجز من ان يقوموا بما نريد بل يعجزون عن القيام بما يريدون لانفسهم ، فكيف يقومون بحاجات الناس ، و هنا نلاحظ من كلمة ( زعمتم ) اي ادعيتم و صنعتم ، فالانسان هو الذي يصنع الطاغوت المتسلط ، و يصنع الصنم الجامد ، و يصبغ عليه القوة و من بعد ذلك يخافه ، و هو يعلم انه لا يملك كشف الضر عنه عوضا عن تحويله .
[57] [ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ]هؤلاء الاولياء الذين يزعمون بانهم آلهة انما هم عباد له ضعفاء يبتغون رضا ربهم ، و يريدون الوسيلة اليه ، فكلهم فقير محتاج الى رحمته ، و يريد الزلفى اليه بفطرته و ربما بايمانه ايضا في هذه الآية ، و في آيات مشابهة تحير طائفة من المفسرين و تساءلوا من هم أولئك الذين يدعون و كيف انهم يبتغون الوسيلة الى الله ربهم ؟
زعم البعض انهم الاصنام ، بينما قال البعض انهم الملائكة و العباد الصالحون الذين اتخذهم اتباعهم اربابا من دون الله .
و الواقع ان ذاك و هذا بعض معنى الآية ، الا ان المعنى الاشمل هو كل شيء أو شخص يطاع من دون الله ، و لان اغلب ابناء آدم يعبدون من دون الله ، ذوي القوة و الثروة و الجاه ، كالملوك و القيادات السياسية و المترفين و الاحبار و الرهبان .
فان الآيات فيما يبدو تشمل هؤلاء بل تركز عليهم و تسعى لتحرير البشر من نير عبوديتهم و لعل قراءة سريعة لآيات الشرك توحي الينا بان الآلهة المعبودة من دون الله هم عادة بشر ، يقول ربنا سبحانه و تعالى : " و اذا رأى الذين اشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك " ( النحل /86 )و قال : " قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم الا نعبد الا اللهولا نشرك به شيئا ، و لا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله " ( آل عمران / 64 )و قال : " اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله " ( التوبة / 31 )و قال : " أ أرباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار " ( يوسف / 39 )و قال : " و من الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله " ( البقرة / 165 )و قال : " ان الذين تدعون من دون الله عباد امثالكم " ( الاعراف / 194 )و هكذا نستوحي من هذه الآيات ان الارباب و الانداد و الشركاء عباد من البشر .
[ و يرجون رحمته و يخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ]هؤلاء يرجون رحمة الله و يخافون عذابه ، و من الملاحظ ان الرجاء ليس بمرتبة الخوف ، فالخوف من العذاب يصلح الانسان اكثر مما يصلحه الرجاء ، جاء في الحديث عن امير المؤمنين (ع) :
" فمن اشتاق الى الجنة سلا عن الشهوات ، و من اشفق من النار اجتنب المحرمات " .
ان الخوف من النار يمنع الانسان عن المحرمات و بينما رجاء الجنة يبعد الانسان عن الشهوات .
سنة العذاب :
[58] [ وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوهاعذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ]
قـال بعضهم انه : عندما يتحدث الله عن بلدة طيبة في القرآن يسميها بلدا أو مصرا ، و عندما يتحدث عن بلدة سيئة يسميها قرية مهما بلغت من الضخامة .
و كانت الآية تشير الى قضية مهمة جدا في حياة القرى التي تشذ عن امر الله حيث يكتب عليها العذاب منذ بداية انحرافها ، و لكن مع وقف التنفيذ ، فربما يرسل العذاب في هذه اللحظة و ربما لا يعذبهم إلا بعد سنين من المعاناة ، و نلمس من هذه الآية : ان الله أعطىالانسان مهلة ، وعليه ان يتحمل تنفيذ الحكم الرباني عليه ان حاد عن طريقه كما ان الآية تشير الى طبيعة البشر النازعة الى الانحراف حيث تجلب اليها عذاب الرب .
[59] [ و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ]ليست مشكلة البشر قلة الآيات بل المشكلة هي ان الناس لا يستوعبون الآية و لا يعرفون قيمتها و بالتالي يكذبون و ابرز مثال على ذلك قوم ثمود .
[ و آتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها ]
هــذه الناقــة كانت آية جلية واضحة اذ خرجت اليهم من الجبل الاصم تستقيهم اللبن ، و لكن مع الأسف هذه الناقة سببت لهم مصيبة كبرى إذ ظلموا انفسهم بسببها .
السياق القرآني يحذرنا من طرف خفي من ان نطالب ابدا بالآيات دون ان نكون مستعدين لها ، اذ لو نزلت الآيات ثم كفرنا بها فقد استوجبنا عذاب ربنا الشديد فنكون قد ظلمنا انفسنا بتلك الآية ، كما فعلت ثمود .
و قد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة : حديث مأثور عن الامام الباقر عليه السلام ان محمدا (ص) سأله قومه ان يأتيهم بآية ، فنزل جبرئيل و قال : ان الله يقول : " و ما منعنا ان نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الاولون و كنا اذا ارسلنا الى قرية آية فلم يؤمنوا بها اهلكناهم فلذلك اخرنا عن قومك الآيات " (1)[ و ما نرسل بالآيات إلا تخويفا ]
اي ان هناك نوعين من الآيات فآية مبصرة مثل ناقة صالح كفروا بها فأتاهم العذاب و آية تخوفهم و تنذرهم بعذاب الآخرة مثل الباساء و الضراء .
ولان الله ختم بنبيه محمد (ص) الرسل فقد ارسل الآيات تخويفا بالقيامة و لم يرسلها بحيث يجلب العذاب لو كفروا بها .
|