فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


شهادة الله
[96] [ قل كفى بالله شهيدا بيني و بينكم انه كان بعباده خبيرا بصيرا ]

تلك كانت شبهات تحول بين تصديق الناس للرسالات ، ولكن صدق الرسالات يتجلى عبر عدة مظاهر جعلها الله شواهد على صدق الرسالة ، و كفى بالله شهيدا .

أولا : لقد اودع الله في عقل الانسان مجموعة قيم و تعاليم ترشده الى الحق ، و الرسالات السماوية حين تأتي للبشرية تدعو الانسان الى ذات القيم و التعاليم و هكذا يطمئن الانسان الى صدق تعاليم الرسالة و قيمها ، لانطباقها على القيم و التعاليم التي يحملها فينفسه ، وفي ذلك يقول رسول الله (ص) :

" ان لكل حق حقيقة ، و على كل صواب نورا " .

و ذات مرة جاء رجل الى النبي (ص) و قال : يا رسول الله اني اعيش في الصحراء و لا املك من يهديني ولا استطيع ان آتي اليك باستمرار فعظني فأمره رسول الله (ص) ان يدنو منه حتى اذا وصل بمحاذاته و ضع النبي الأكرم (ص) يده على قلب الرجل و قال : " ما أمركبه هذا فأفعله ، و ما نهاك عنه فانته " و هذه شهادة باننا لو تجردنا من الضغوط و الأهواء و العادات و الافكار المسبقة ، لرأينا بوضوح انطباق تعاليم القرآن مع التعاليم التي تكنها عقولنا و فطرتنا .

ثانيا : رغم كل الصعوبات و العراقيل التي وضعها اعداء الرسالة ولا يزالون نجد ان الاسلام قد اجتاح الارض كلها ، و لولا تأييد الله سبحانه للمسلمين في حروب بدر و حنين و الاحزاب و غيرها إذا لاندحر الاسلام و المسلمين منذ البداية ، و لولا نصرته لعباده في حطين وعين جالوت لانطفأت شمعة الاسلام ، و لولا تأييده للمؤمنين في ايران على الشاه لما انتعش الأمل بتحقيق وعد الله " و هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون " و استمرار التأييد الغيبي لدينه دليل على صدق النبي و صدق رسالته ، وما اكثر الشواهد الغيبية ، و الالطاف الخفية و الظاهرة التي انعم الله بها على عباده المؤمنين في جهادهم .

ثالثا : عظم درجة رسول الله (ص) و منزلته الخصيصة عند الله فقد جرب بعض اصحابه كيف كان يشفع لهم عند الله في تحقيق مسائلهم ، فيستجيب الله لهم ، بل لا تزال الشفاعة الى يومنا هذا ، فالله يستجيب لكل مؤمن اذا توسل اليه بجاه رسوله ، و قد جاء فــي الحديث كتاب ( فيض القدير ) فيما روى الطبراني في الاوسط عن علي (ع) موقوفا قــال :

" كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد و آل محمد " .

وهناك الكثير من الشواهد التي يوجزها الله سبحانه بقوله : " كفى بالله شهيدا " .

هذا وقد ذهب البعض في تفسيره لهذه الآية " قل كفى بالله شهيدا بيني و بينكم " بانها قطــع للجــــدل و الصراع بين الرسول (ص) و قومه حينما غضب عليهم لعنادهم ، فقال : " كفى بالله شهيدا بيني و بينكم " و هذا تفسير بعيد ، بل هذه شهادة من الله على صدق الرسالة كما فعل الله لأنبيائه السابقين عليهم السلام ، حيث حول نيران نمرود الى برد و سلام على ابراهيم ، و كانت حجة على صدق ابراهيم ، و اغراق فرعون ، و نصر موسى (ع) ، و إحياء الموتى على يد عيسى (ع) و كثير من الحجج التي حدثنا عنها القرآن من هذا القبيل معاجز عاجلة أو آجلة تشهد


على صدق الرسالات .

[97] [ و من يهد الله فهو المهتد و من يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ]ثم يبين القرآن ان الله هو الهادي الذي يهدي العباد الى الرسالة و الايمان بها ، و سبق ان أوضحنا ان الهداية مرحلة متقدمة من التكامل البشري ، لان الانسان لن يبلغ مرحلة الهداية الا بعد رحلة شاقة ، و لن يصل اليها الضال الذي حجبته المعاصي عن رؤية الحق وأولئك لا ينفعهم احد من أوليائهم شيئا .

[ و نحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا و بكما و صما ]لانهم لم يستفيدوا من نعم الحواس و العقل ، لذلك سوف يسلبهم الله تلك النعم يوم القيامة ، و هذا جزاء من عطل وظيفة عينيه و اذنيه و لسانه .

[ مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ]

كلما ضعفت نار جهنم باعتبارها مادة ، يزودها الله سبحانه بالوقود لتزداد سعيرا - و العياذ بالله - فالعذاب دائم و النار تتجدد ، و لا منقذ لنا من عذابها سوى اخلاق الايمان ، و محض الطاعة ، و انتهاز الفرص و اختلاس لحظات العمر ، لنقضيها في عبادة الله ، وأمامنا فرصة عند كل منعطف في مسيرتنا . فرمضان ربيع المؤمنين ، و الحج معراج الصالحين ، فيجب ان لا نفوت تلك الفرص ، و الحديث الشريف يقول :

" ان من لم يغفر له في شهر رمضان فلا يغفر له الا اذا ادرك عرفات "فلننقذ انفسنا من نار جهنم التي لابد من ورودها كما قال : " وان منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا " فمن استطاع انقاذ نفسه ، و تدرع ضد جهنمبلباس التقوى فقد فاز .

[98] [ ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ]

فعذاب جهنم الدائم جزاء من يكفر بآيات الله ، لا شفقة و لا عطف عليهم لانهم كفروا ، ان حجب العصبية و حب الذات و اتباع الشهوات تغطي قلوبهم و من دون التخويف الذي يوقظ القلب ، و ينشط فيه العقل و الارادة لا يمكن اختراق تلك الحجب المتراكمة ، و اي تخويف اعمق أثرا من تخويفهم بعذاب جهنم ، هكذا يعالج الكتاب امراض القلب ، و يوفر للانسان افضل فرصة للخلاص من حجب قلبه .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس