فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
البعث من جديد
[ و قالوا أإذا كنا عظاما و رفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا ]
و كأنما هذا الاشكال سينقذهم ! ان الله قادر على البعث ، و سيرون العذاب بعد حين ، و حالة الاستغراب و التعجب التي حالت بينهم و بين الايمان بالآخرة لن تفيدهم .
[99] [ أولم يــروا أن الله الذي خلق السموات و الارض قادر على أن يخلق مثلهم ]أولا تكفــي الطبيعـة بكل روعتها و بهائها و ما بها من جبال ، و وديان ، و بحار ، و انهار ، و منظومات ، و مجرات شهادة على قدرة الله سبحانه و .. و .. ؟! و هل خالق كل هذا يعجزه خلق الانسان من العدم ، و ما دام الفرد قد خلق لا من شيء فهل يعجزه ان يعيدخلقه مرة أخرى ؟!
[ و جعل لهم أجلا لا ريب فيه ]
للانسان اجل لا ريب في ذلك ، و اموره جميعا بيد الله ، بقاؤه ، حياته ، موته ، و حياته من جديد و اذا اخر الله سبحانه عذابهم فانما رحمة بهم ، و تنفيذا لاجل مقدر سلفا ، و لعلهم يرجعون ، و لكنهم بدل ان يشكروا نعمة الله و ينتفعوا بهذه الفرصة الاخيرة التي منحت لهم تراهم يكفرون بالله ، و يكفرون بنعمة الاجل ، بل يتخذون من تأخير الاجل دليلا على عدم العقــاب ، افليس ذلك منتهى الكفران بالنعمة ؟! بلى ، و السؤال لماذا هذا الكفران ؟ و الجواب : لانهم ظلموا انفسهم . و ظلموا الناس ، و تجاوزوا حقوق الله و حقوق الناس.
[ فأبى الظالمون إلا كفورا ]
كلما ازدادت الجرائم حجبت القلوب عن الايمان فيكفرون ، و هذه فكرة طالما تكررت في القرآن الكريم ، و هناك تجربة شخصية يمكن لاي شخص ان يلاحظها في نفسه فعندما يدفع الشيطان الانسان الى ارتكاب معصية ما تجد قلبه معرضا عن ذكر الله ، و خلال صلاته يكون مشغولالبال ، اما حينما يكون القلب نظيفا فانك تجده متصلا بنور الله سبحانه حتى في غير الصلاة .
[100] [ قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق و كان الانسان قتورا ]الحاجز الآخر الذي يحجز الانسان عن الايمان هو ( البخل ) فالانسان مجبول على الشح سواء كان غنيا أو فقيرا ، فلو كان يملك خزائن الله ، و خزائن رحمته التي وسعت كل شيء لقبض يده خشية الانفاق .
لقد تكررت في سورة الاسراء المباركة مثل هذه الآية التي تذكرنا بطبائع الانسان كقوله سبحانه : " و كان الانسان عجولا " (11) و قوله " و كان الانسانكفورا " (67) و قوله : " و اذا انعمنا على الانسان اعرض و نأى بجانبه و اذا مسه الشر كان جزوعا " (83) و لعل السبب يكمن في ان هذه السورة تبين فوائد الوحي و من اعظم فوائده : شفاء البشر من طبائعه الضعيفة و المنحرفة ، ومن هنا ذكرت السورة ببعضهذه الطباع .
[101] [ و لقد آتينا موسى تسع آيات بينات فسئل بني اسرائيل إذ جاءهم ]لقد كذبوه لانهم نظروا اليه بمثل نظرتهم الى نبيكم ، فقد كان راعيا ، ذا ملابس بسيطة و حين قال : اني رسول رب العالمين إليكم اتهمه فرعون بالجنون .
[ فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ]
يبدو انه زعم ان موسى قد ابتلي بالسحر لانه كان شائعا في مجتمعه ، و لان عواقب هذه الدعوة كانت تضر موسى ، و لا يقدم على مثلها عاقل .
هكذا كان يزعم فرعون ذلك الجبار الكافر بجبار السماوات و الارض سبحانه .
و الواقع ان تحدي انبياء الله لسلطات عصرهم و فساد مجتمعهم كان عظيما و شاملا و جذريا ، الى درجة كانوا يتهمون بالجنون لولا ان كل تصرفاتهم و اقوالهم كانت تفيض بالحكمة و المعرفة ، فلو لم يكونوا متصلين بالغيب ، و واثقين من نصر الله لهم ، و مخلصين لقضيتهم فهل كان تحديهم غير الجنون ، إذا ذات التحدي كان اعظم شهادة على صدق رسالاتهم ، و لعل القرآن ينقل لنا تهم الطغاة للانبياء بالجنون لنعرف هذه الحقيقة .
ولم يكن موسى مسحورا بل كان رسولا ، و علامة رسالته تحديه لسلطة فرعون ، و ارهابه و تضليله لذلك قال :
[102] [ قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات و الأرض بصائر و إني لأظنك يا فرعون مثبورا ]انك هالك يا فرعون فانت تعلم ان الحق معي ، الا ان فرعون ما كان يعلم عن نبوة موسى علم ايمان ، و انما كان يعلم علم حجة ، بمعنى ان الحجة ثبتت عنده ، و لكن لم يؤمن ، و تلك الآيات العظام لا تجري على يد انسان غير نبي لذلك قال ربنا " لقد علمت "يا فرعون ان الآيات التسع و هي : خروج اليد بيضاء من غير سوء و العصا - و السنون - و نقص الثمرات - و الطوفان - و الجراد - و القمل و الضفادع - و الدم انما هي من عند الله و لم تجر على يد انسان عادي .
و قرء " و لقد علمت " بالضم يعني موسى هو الذي علم كما يؤيد ذلك حديث يروى عن الامام علي (ع) يقول : فيما معناه :
" كلا لم يعلم فرعون ان الله بعث موسى بتلك الرسالة ، انما موسى هو الذي علم فهو واثق من أمره " .
و القرآن جعل الكتب السماوية بصائر تساعد الناس على رؤية الحقائق ، و لما كذب فرعــون بتلك الحقائق كلها بصره موسى (ع) بخاتمته " و اني لأظنك يا فرعون مثبورا " !
[103] حينئذ ثارت ثائرة فرعون .
[ فأراد أن يستفزهم من الأرض ]
حيث اراد ان يزعج موسى (ع) بطرده مع بني اسرائيل ، و نفيهم من البلاد الا ان الله سبحانه و تعالى وقف له بالمرصاد .
[ فأغرقناه و من معه جميعا ]
[104] و هذا احد معاني شهادة الله على صدق رسالات الانبياء ، فقد أخذ الله سبحانه و تعالى فرعون و ملأه ، و نبذهم في اليم فابتلعهم الماء كما يبتلع النهر الحصاة .
[ و قلنـا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ]قالوا في معنى اللفيف انه بمعنى متلاحم بحيث يلف بعضه ببعض ، فلا يميز البعض عن الآخر لشدة اندكاكهم ببعضهم .
و هكذا ذهب فرعون و بقي منه عبرة للعالمين !
|