فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
[105] ما هو محتوى الرسالات ؟ انه الحق الذي انزل الله به القرآن ، و انه الحق الذي بقي القرآن عليه دون ان تمد اليه يد التحريف ، و لكن ما هو الحق ؟
1 - و جود الكون و الانسان حق .
2 - قوانين الطبيعة ، تلك السنن الالهية التي اجراها الله في كل شيء حق .
3 - عقل البشر الذي اودعه الله قلب كل انسان و به يستوعب واقعيات الاشياء حق .
و القرآن حقيقة واقعة و قد نزل ليعكس الحقائق و يهدي الى السنن و يثير العقول كمحتواه حق لا ريب فيه .
[ و بالحق أنزلناه و بالحق نزل ]
لقد قدر اللــه ان ينزله بالحق ( و بالحق انزلناه ) ، و تحقق هذا التقدير ( و بالحق نزل ) و ان محتواه حق ( و بالحق انزلناه ) و ثمراته حق ( و بالحق نزل ) و ان الحق الــذي انزله الله به ( و بالحق انزلناه ) سوف يستمر ( و بالحق نزل ) . أو لم يقل ربنا : " انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون " ، فلم و لن يقدر احد على تغييره ، هكذا ينبغي ان تفهم هاتان الكلمتان .
قال بعض المفسرين : ان نزول القرآن كان مصاحبا للحق ، كما ان الحق كان مصاحبا للقرآن ، و نتساءل ما هو معنى الباء في قوله بالحق ؟
الباء : حرف جر للاستعانة فان قلت : اكتب بالقلم ، اي استعن بالقلم في الكتابة و هذا المعنى يصح في الآية ، اذ ان الحق محتوى القرآن و جوهره بل ان كل آية فيه دليل حق ، لان القرآن جاء لاحقاق الحق كله .
قال تعالى : " و يريد الله ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين " ( الانفال / 7 )[ و ما أرسلناك إلا مبشرا و نذيرا ]
الرسول بالنسبة الى من ارسل اليهم لا يعدوا ان يكون مبشرا لهم بالخير ان هم آمنوا ، و نذيرا لهم بالعذاب ان هم كفروا و لم يكن الرسول كفيلا أو وكيلا عليهم و لم يؤت صلاحية تغيير القرآن ، و قد عصمه الله من ان يغير فيه شيئا .
[106] [ و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ]للقرآن عدة اسماء فمرة يقال : انه كتاب لانه يكتب ، و مرة يقال : انه فرقان لانه يفرق بين الحق و الباطل ، و مرة يقال : انه ذكر لانه يذكر ، و هكذا يسمى القرآن قرآنا لانه يقرأ ، و هكذا تختلف المسميات . و المسمى واحد و لعل ذلك من أجل الا يعتقد الانسان ان أهمية القرآن تكمن في كتابته أو في قراءته ، و لكن أهمية القرآن تكمن في جوهره . و ما هذه الاسماء الا تلخيص لاهداف القرآن و اشارة اليها .
( فرقناه ) اي فصلناه و فرقناه " على مكث " : اي بتأن و تؤده ، بين فترة و اخرى حتى يستوعبه الناس .
[ و نزلناه تنزيلا ]
في الآيتين السابقتين قال الله كلمة واحدة باختلاف بسيط ، فقال مرة : انزلناه ،و مرة نزلناه ، فما هو الفرق بين الكلمتين ؟
الفرق هو ان كلمة ( انزلناه ) اي انزلناه جملة واحدة و ( نزلناه ) اي على اقساط و هذا يؤكد ما قيل : ان القرآن نزل مرتين على قلب الرسول (ص) مرة في ليلة القدر ، و المرة الاخرى خلال ثلاث و عشرين سنة حسب المناسبات و الظروف لكي تترسخ آياته و تعاليمه في ضمير المؤمنين و في واقع الحياة الأجتماعية .
[107 - 108] ان النفس العالمة لا تستطيع ان تصبر امام النور الباهر المنبعث من القرآن ، و يخر صاحبها سجودا .
و لكن من هم الذين اوتوا العلم ؟
الذين أوتوا العلم هم احد اثنين :
1 - اما أولئك الذين اعطاهم الله العلم من أهل الكتاب عن طريق الرسالات الالهية السابقة ، و عندما سمعوا الآيات القرآنية استوعبوها و رأوا ان هذه الآيات مصدقة لما اوتوه ، بل هي اعظم فسجدوا للحق و خضعوا له .
2 - و اما ان يكونوا من العرب الذين غمرت نفوسهم بزخات العلم ، فكانوا غير اولئك الجهال الذين يبحثون عن الامور التافهة لذلك فهم عندما يستمعون الى صوت الحق ، و يرون النور الباهر يؤمنون به ، و يستجيبون لندائه .
كان اويس القرني يعيش في الصحراء عيشة العز و الشرف ، فعندما سمع بالرسول و بقرآنه ، آمـن به و بقــرآنه من دون ان يراه فصار بذلك من المقربين الى رسول الله (ص) ، و اسلم و احسن اسلامه فكان يقضي نهاره بالصوم و ليله بالعبادة ، و مثل اويس ابوذر و المقدادو كثيرون آخرون .
[ قل آمنوا به أو لا تؤمنوا ]
لا يهمنا ان تؤمنوا أو لا تؤمنوا ، فلسنا محتاجين الى ايمانكم ، اذا كان الله يريد ان يضلكم ، فهناك من يؤمن بالقرآن ايمانا عميقا ، وهم اهل المعرفة .
[ إن الذين أوتوا العلم من قبله ]
أي أوتوا العلم من قبل نزول القرآن .
[ إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ]
الخرور : هو الوقوع السريع .
خروا بسرعة على وجوههم ، و لعلهم نسوا انفسهم امام القرآن و وقعوا على اذقانهم و لم يقعوا على جباههم ، لانهم وقعوا من دون اختيار ، فوقعوا على اذقانهم ثم سجدوا بوجوههم .
[ و يقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ]
يبدو من هــــذه الآيـــة انهم كانوا يتوقعون شيئا و قد تحقق في القرآن أو انهم عبروا - بهذه الكلمة - عن غاية ايمانهم ، و منتهى يقينهم حيث نزهوا الله عن خلف الوعد ، و أكدوا ان وعده في الكتاب بنصر المؤمنين في الدنيا ، و حسن جزائهم في الآخرة حق . و سيتحقق اكيدا . و هذا احد معاني الحق الذي جاء في الآية السابقة " و بالحق انزلناه و بالحق نزل " .
ان مخففة بمعنى " أن و عد ربنا لمفعولا " .
[109] [ و يخرون للأذقان يبكون و يزيدهم خشوعا ]
يبدو ان للانسان امام الحالات الغريبة ، حالتين متدرجتين :
الاولى : الانصعاق و الدهشة .
الثانية : الانبهار الواعي .
و لعــل الآيــة التاليــة تشيــر الــى هاتين الحالتين حيث يقول سبحانه : " الله انزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعــر منــه جلود الذين يخشون ربهـم ثم تليــن جلودهم و قلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي مــن يشــاء و من يضلــل الله فمالــه مــن هــاد " ( الزمر / 23 ) .
في البدء يرتجف الانسان و يصعق ، ثم يستوعب الصعقة و هكذا المؤمنون فهم يخرون أولا لقوة النور ، و ما يلبثون ان يتعودوا على قوة النور ، فيخرون خشوعا لله سبحانه .
|