فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الحياة بين تدبير الرب و تقدير العبد
[23] [ و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا ]
[24] [ إلا ان يشاء الله و اذكر ربك إذا نسيت و قل عسى أن يهدين ري لأقرب من هذا رشدا ]لأول وهلة تبدو هاتان الآيتان غير مترابطتين مع بعضهما ، و لكن لنتدبر فيهما قليلا ..
لما كانت الحياة تتطور باستمرار ، كانت رسالات الله قد وضعت حسابات دقيقة لمتغيرات الزمان ، و تطورات الأحداث ، فيجب على الانسان ان يضع الرسالة التي انزلت عليه نصب عينيه في كل تصرفاته و اعماله ، و لا يتركها لأن فلانا قال كذا ، أو أن السابقين عملوا هكذا .
و القرآن الحكيم يأمرنا بهذا في الآية الأولى ، أما في الآية الثانية فأنه يوجهنا الى موضوع دقيق ، فيقول : ان على الانسان الا يضع لنفسه برنامجا طويل المدى دون ان يحسب حساب متطورات الزمان في برنامجه ، فالله سبحانه لا يأمر بشيء جامد ، و انما يأمر باتباع القيم التي تطبق في كل وقت بصورة معينة .
ليس لك ان تقول غدا سأعمل العمل الفلاني ، لأنه قد يأتي الغد و تتطورالأحداث فيه ، و يكون الواجب عليك عملا آخر يختلف عما عزمت عليه ، فعليك ان ترتبط بالله ورسالته التي انزلت عليك ، و التي يفهمها عقلك ارتباطا وثيقا مباشرا ، و لا ترتبط بخطة معينة او بتاريخ معين ، او بأفكار سابقة ، او بكتب مكتوبة ، او ببرامج جامدة ، و هذاهو منتهى ( التقدمية ) في القرآن ان صح التعبير .
أما ربط العمل بالمشيئة فله معنيان :
الأول : المعنى الظاهر و المعروف ، و هو ان مواهبي و امكاناتي كانسان ، و امكانات الطبيعة و فرص العمل ، كلها متصلة بإرادة الله سبحانه ، فان له ان يوفقني غدا لعمل او لا يوفقني ، و هذا الإستثناء بالمشيئة هو المعنى المألوف .
و من هنا يقول الأمام علي (ع) : " عرفت الله بفسخ العزائم و نقض الهمم " اي اني عزمت على شيء فجاء القضاء و فسخ عزيمتي ، و هممت بشيء فجاء القدر و نقض همتي .
الثاني : ان الله اذا أمرني غدا بهذا العمل فسوف أعمله ، و اذا نهاني فسوف اتركه ، فعملي و عدم عملي غدا مرتبط بما يأمر به الله غدا و ليس اليوم ، فقد يكون افضل عمل اليوم هو الصلاة و التعبد في المسجد ، و لكن غدا قد يكون افضل عمل هو الإشتراك في التظاهرات ، و بعد غد افضل عمل هو العمل المسلح ، و بعده افضل عمل ان اجلس على اريكة الحكم و ادير شؤون الناس ، فعلي دائما ان اضع خططي حسب ما يأمر به الله و ليس حسب مشيئتي و رغبتي ، و اجعل هواي باستمرار موافقا لما يريده الله سبحانه .
جاء رجل الى الامام الصادق (ع) فقال له الامام : " كيف اصبحت ؟ فقال : اصبحت و اللـــه و المرض خير لي من الصحة ، و الفقر خير لي من الغنى ، و الذل خير لي من العزة .. الخ . فقال الأمام : اما نحن فلسنا كذلك . قال : فكيف انتم ؟ قال :
نحن اذا احب الله ان يمرضنا ، فالمرض احب الينا من الصحة ، و اذا احب ان يرزقنا الصحة فالصحة احب ، فالفقر احب مع رضا الله و الغنى احب مع رضا الله ، و ان كان الذل في سبيل الله فهو محبوب ، و اذا كان العز في سبيل الله فهو المحبوب " .
هذه هي أهم صفة للمؤمن وهي : أن يكون راضيا برضا الله ، و ان يعمل بما يأمر به اللـه و اذا وصلت الى هذه الدرجة فأحمد الله أنك قد بلغت مستوى رفيعا من الايمان ، و الا فاسع للوصول الى هذا المستوى .
و لا بأس أن اضع برنامج للمستقبل ، و لكن على شرط أن أستثني فيه و أقول : انشاء الله ، بحيث اذا تغيرت الظروف و تغير أمر الله بالنسبة لهذا البرنامج ، فاني سوف أغيره تبعا لذلك التغيير .
في بعض الاوقات يدخل الانسان الى حزب باعتباره وسيلته الى الله سبحانه ، و لكن شيئا فشيئا يتحول الحزب الى اله يعبد من دون الله ، و في اخرى يتبع الانسان احدا على أساس انه رجل مؤمن عالم ، و يجعله سببا بينه و بين الله يبتغي بذلك مرضاة ربه ، و لكن شيئا فشيئا يتحول هذا الرجل الى صنم يعبد من دون الله ، و كذلك في بعض الاوقات يضع الانسان لنفسه برنامجا ليطبقه امتثالا لأمر الله ، و لكن شيئا فشيئا يتحول البرنامج في حياته الى برنامج ضلالة و جبت .
حينما تتبع أحدا وطن نفسك على أن تتبعه من أجل الله ، وكذلك حينما تنتمي الى جماعة فاجعل انتماءك الى الله أقوى من انتماءك اليهم ، و اطلب دائما من الله ان يرشدك الى أتباع العالم الأفضل ، و البرنامج الأكمل ، و الجماعة الأكثر ايمانا و تقوى ، و كن دائما أمام زمانك ، و لا تسمح لنفسك أن تصبح قطعة متحفية مرتبطة بالتاريخ ، أو حتى بما قبل التاريخ .
[25] [ و لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا ]كيف لبثوا هذه المدة ؟ و باية حالة و بتدبير اية قوة ؟
[26] [ قل الله أعلم بما لبثوا ]
لا تبحث حول هذا الموضوع ، فالله اعلم كيف و متى و انى لبثوا !
[ له غيب السموات و الأرض أبصر به و أسمع ]
ابصر و اسمع و ما أشبه صيغ لغوية تفيد المبالغة و التعجب ، اي اعظم الله بما يراه بصرك أو تسمعه اذنك اذ كل شيء تراه أو تسمعه فهو آية لله سبحانه .
[ ما لهم من دونه من ولي و لا يشرك في حكمه أحدا ]
ليس لله شركاء من آلهة الثقافة و الحكم أو كهنة المعابد ، انه الواحد الاحد و لا يشرك في حكمه أحدا ، لذلك على الانسان ان يتصل مباشرة بالله سبحانه ، و لا يجعل بينه و بين الله واسطة الا اذا أمر الله بها و في حدودك ذلك لا اكثر .
|