فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
بين الشكر و الكفر
[32] رجل اعطاه الله جنتين ، و توفرت له كل أسباب الزينة فبطر بها ، و بدل أن يشكر ربه اغتر بما أعطاه من ثروة و نعمة ، و بدل أن يعتز بمن أعطاه هذه النعمة ، اعتز بالنعمة ذاتها ، في حين ان من اعطى النعمة خالد دائم و النعمة منقطعة زائلة ، و هو أولى بالشكر و العبادة منها .
و حينما جادله صاحبه في هذا الأمر جدالا حسنا ، و حاول ان يذكره و ان ينذره و يحذره من عاقبة بطره و غروره ، أخذته العزة بالإثم ، فكان مصيره ان خسر جنتيه و لم تبق له الا أرضا جرداء خاوية على عروشها ، قد غار ماؤها و احترق زرعها و اصبحت صعيدا جرزا .
و هكذا فقد استولت على الرجل كآبة فجرت قلبه ، و ندم ندما شديدا على اغتراره بالنعمة ، و اعتزازه بالولد و العشيرة الذين لم ينفعوه شيئا في محنته .
اما ذلك الرجل الفقير بماله و عشيرته ، و الغني بأيمانه بربه و توكله عليه ، فقد أخذ يردد هناك : هنالك الولاية لله الحق .
و في حديثه عن الجنتين ، و عن علاقة ذلك المشرك بهما ، يبين لنا القرآن بعض ضروب و عوامل الغنى التي وفرها لنفسه و لكنها لم تغنه عن الله شيئا ، فأصبح يقلب كفيه و ليس فيهما الا الحسرة .
[ واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين ]
اولا : يجسد احد الرجلين الأيمان المتسامي عن زينة الحياة الدنيا ، بينما يستبدبالآخر حب الدنيا ، و يشغله متاعها الزائل .
ثانيا : امتلاك الرجل لأكثر من جنة ، يشير الى بعض الأساليب الأقتصادية التي يلجأ اليها الرأسماليون لضمان تدفق الأرباح عليهم ، فإذا خسرت جنة هنا فإن الجنة الأخرى و التي تكون في مكان آخر ستعوض النقص و تعدل الميزانية .
[ من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا ]
و هذه طريقة يلجأ اليها المزارعون ، فيحيطون بساتينهم بأشجار مقاومة للرياح و الأعاصير كالنخيل ، ويزرعون الأعناب في الوسط ، و الأرض المتبقية بين هذه و تلك يزرعونها بالخضروات المختلفة .
[33] [ كلتا الجنتين ءاتت أكلها ]
شاء الله سبحانه ان يملي لذاك الرجل فأفاض عليه الخير فيضا ، و أذن للجنتين ان تدرا المحاصيل الوفيرة ، و هكذا اذا اراد الله بعبد سوء لسوء نيته فأنه يوسع عليه النعم في بعض الأحيان ، ليستدرجه و يبتلي ما في داخل نفسه من سوء و فساد .
[ و لم تظلم منه شيئا و فجرنا خلالهما نهرا ]
لقد اعطى الله لذلك الانسان تلك الجنان ، فأعطت صاحبها كل ما يتأمله منها من ثمار طيبة ، ولم تظلمه و لكنه ظلم نفسه ، فواجه احسان الخالق اليه بالإساءة الى نفسه ، عبر غروره و استكباره ، و اعراضه عن شكر ربه المنعم المتفضل .
|