فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
دركات الهبوط
[34] [ و كان له ثمر ]
الملاك و الفلاحون و من لهم ارتباط بالأرض و الزراعة ، يعلمون ان لحظة الحصادلحظة سعيدة في حياتهم ، تبعث في انفسهم الغرور ، لأنهم بعد صبر و انتظار طويل يرون الثمار و هي وفيرة و زاهية ، فيختالون و كأنها ثمرة جهدهم ، و ينسون ان الله هو الذي زرعها و أينعها في هذه اللحظة .
[ فقال لصاحبه و هو يحاوره أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا ]أخذ يتعالى على الآخرين ، اعتمادا على اشياء وقتية زائلة ، و ليس في الآيات دلالة على أن هذا الرجل كان له انصار ، و لعل غروره دفعه الى الاعتقاد بانه ما دام يملك شيئا من المال فكأنه يملك الناس أيضا ، لذلك قال : - " و أعز نفرا " .
[35] [ و دخل جنته و هو ظالم لنفسه ]
ان ظلمه لنفسه هو في اغتراره بزينة الدنيا الذي جره للتعالي على الآخرين ، و اعتقاده انه ما دام يملك المال فهو يملك الرجال .
[ قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا ]
هذه هي العلاقة الخاطئة بين الانسان و الطبيعة ، و هي علاقة الأعتماد عليها و الركون اليها و كأن الطبيعة خالدة له .
[36] [ و ما أظن الساعة قائمة ]
في البداية اغتر بنفسه و قال : انا اكثر منك مالا و اعز نفرا ، ثم ظلم نفسه بأعتقاده أن الجنة خالدة له ، ثم انكر المعاد ، و وصل الى نهاية دركات الهبوط حينما اعتقد بأن الله ، و الدين ، و الرسالة ، و كل القيم انما هي في جيبه .
ان الانسان يظل صالحا للهداية ما بقيت في نفسه جذوة الايمان ، و ما دام يعتقد ان عمله قد يكون خاطئا ولا يرضى الله عنه ، أما حينما يعتقد بأن الله و الدين تابعانله ، و يأخذ يبرر اعماله ببعض الأفكار الخاطئة ، فآنئذ لا تترجى له الهداية ، فأنه يتحول من انسان الى ما هو احط من الحيوان . و ذلك حين يقول :
[ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ]
اعتقد صاحب الجنتين انه ما دام الله قد اعطاه تلك الجنتين و فيهما نخل و اعناب و زرع ، و افاض عليه الخير في الدنيا ، اذن ففي الآخرة سوف يعطيه اكثر ، و ذلك استنادا على معادلة خاطئة و هي : ان العطاء في الدنيا دليل رشاد و هداية و في هذه بالضبط هلاك الانسان و خسارته الأكيدة ، اذ ان بسط الله للرزق و تقديره له ، انما هو لأمتحان العباد و ليس للتكريم او الإهانة .
|