فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
كيف نجبر ضعف الذات ؟
[37] [ قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ]
هل وصــل بك الحال أن تكفر بألله ؟ و انت تعلم علم اليقين كيف انه خلقك اطوارا فقدرك ، و انك لا تستطيع ان تعتمد على نفسك و قدراتك ، فكيف تعتمد على الجنة الخارجية التي هي نتيجة قدراتك و مكسب طاقاتك ؟
لقد كنت ترابا ، ثم اصبحت نطفة ، ثم استويت رجلا ، اي انك كائن تطرأ عليه التغيرات و لست على حال ثابتة ، و انت معرض لكل الإحتمالات و الأخطار ، فمثلك ينبغي ان يعتمد علــى ركن ثابت شديد لا يطرأ عليه التغير ، و لا تجوز عليه الإحتمالات و هو الله ، لا أنتعتمد على اشياء متحولة و متغيرة كذاتك ، لا تغني عنك شيئا اذا هجمت عليك نوائب الزمان .
ان القرآن يعالج طبيعة الانسان بعمق ، لأن منزل القرآن هو الله الذي خلق هذاالانسان ، و الخــــوف متوغل في اعماق الانسان الذي يرى ان كل شيء في الكون و الحياة ، و حتى ذاته في تغير مستمر و حركة دائبة ، ولا شيء يثبت على حاله ، فهو في قلق مما سيحدث له في المستقبل ، لذلك يحاول ان يعتمد على شيء يطمئن اليه ، و لكن بدل ان يدفعه هذاالخوف الى الإعتماد على الله و التوكل عليه ، و المزيد من الإلتصاق بمناهجه ، فانه كثيرا ما يلجأ الى الاستناد الى متاع الحياة الزائل ، و التكاثر في الأموال ، و لذلك ينبه القرآن الانسان انه عندما يخاف من تغيرات الحياة و تقلبات الزمان فان هذا شعور سليم ، ولكن عليه الا يوجه هذا الشعور نحو المال لانه يزول ، بل يوجهه نحو الإعتماد على شيء يبقى .
[38] [ لكنا هو الله ربي ]
أي انني لا ازال على ديني .
ان كثيرا من الفقراء و المحرومين حينما يجدون امامهم اغنياء يركعون لهم ، و يخضعون لسلطان ثرواتهم ، و بذلك يدفعونهم الى مزيد من الأستغلال و الإستكبار ، و القرآن يرفض ذلك عبر هذه القصة و كأنه يقول : ايها الفقراء عليكم ان تعتزوا بأيمانكم بالله ، لأنه هو القادر على أن يغنيكم كما أغنى هؤلاء .
[ و لا أشرك بربي أحدا ]
و يبدو ان السياق هنا يسمي الخضوع للغني شركا و اتخاذا لإله غير الله .
[39] [ و لولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله ]
في البداية اتخذ الفقير موقف الدفاع ، و حصن نفسه من الخضوع للغني ، و لكنه الآن أخذ زمام المبادرة محاولا اصلاح الغني ، و هذا هو الدور المطلوب من الفقراء ، فقال له : لابد ان تدرك ان ما حدث انما كان بمشيئة الله و إذنه ، و حسب قضائهو قدره ، لا حسب ارادتك و علمك . فلماذا لا تقول :
[ لا قوة إلا بالله ]
ثم انك الآن لا تستطيع ان تستفيد من هذه الثمار الا بعون الله ، و هكذا فأن الخير الــذي حصلت عليــه سابقا كان من الله ، و الخير الذي تأمله في المستقبل هو ايضا من الله ، و هذا هو الإطار الذي يجب ان نتعامل به مع الطبيعة و الثروة و الغنى .
[ إن ترن أنا أقل منك مالا و ولدا ]
ان غرورك و استعلاءك قد يدفعك الى خسارة كل شيء ، و آنذاك سأكون انا الذي تنظر الي بأحتقار افضل حالا منك ، لأن القناعة كنز لا يفنى .
ثم اني آمل فضل الله بشكري ، و انت تعرض نفسك لسخط الله بكفرك .
[40] [ فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك و يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا ]هذا هو الفرق ، فالفقير كان يتمسك بأهداب الأمل و يرجو رحمة الله ، بينما الغني كان يعتز بالغرور ، و هذه عبرة كبيرة لك ايها الانسان : ففي اي لحظة من لحظات حياتك سواء كنت غنيا أم فقيرا - أنظر نظرة بعيدة - فالغنى قد يتحول فقرا فلا تبطر ، و كذلك الفقر قد يكون طريقا للغنى فلا تيأس ، هذه هي تعاليم الرسالة .
|