فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
الباقيات الصالحات
[46] [ المال و البنون زينة الحياة الدنيا ]
لأنها اشياء تشبه تلك النباتات التي تختلط و تلتف ببعضها ، و هي زينة يجب ان يستفيد الانسان منها على هذا الاساس لا اكثر ، اما اذا اراد ان يعتمد عليها اعتمادا كليا فسوف يسقط .
و الوردة الجميلة الجذابة ذات العبق الطيب انما هي زينة ، و لا يمكن ان تستند عليها لانها تقع و لو فعلت ذلك فستقع معها .
و المال و البنون هكذا ، فبقدر ما تتعب و تحصل على المال و تبني بيتا تستفيد منــه ، أو تحصـل على بنين يسر قلبك لمرآهم ، و ترتاح نفسيا بهم ، بهذا المقدار سائغ لك ، أما أن تغتر بالمال و البنين فهذا خطأ كبير ، لأن هذا المال ليس باق و حتى اذا بقي فأنت لا تبقى له ، و البنون لا يبقون لك أو لا تبقى معهم ، و ينتهي دورهم بانتهاء دور الزينة . فما الذي يبقى لك ؟
عملك هو الذي يبقى . و ما تدخره لنفسك من الصالحات هو الذي يدوم ، و هو الذي يشكل زينة الحياة الآخرة .
[ و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا ]فبدل أن تدخر جهدك في الاموال و تكدسها على بعضها ثم تذهب في لحظةواحدة ، أو تتعب نفسك و ترهقها من أجل الأولاد ثم فجأة يقلبون عليك ظهر المحن و يتركونك وحدك ، بدل كل ذلك اعتمد على الله بالاعمال الصالحة .
ما هي الاعمال الصالحة ؟
أن تجلس في البيت و تذكر ربك و تسبحه ؟؟ و تصلي الفرائض الخمس بنوافلها ؟ أم تزكي و تخمس ؟ أم تجاهد ؟ أم تبني مصنعا و تعبد شارعا من أجل الله و في خير المجتمع ؟
كل ذلك عندما يكون خالصا لوجه الله ، فهو من الباقيات الصالحات ، و هي تنقسم الى نوعين :
النوع الاول : ما يرى الانسان جزاءه عليه في الآخرة فقط ، و ان كان يعود بالفوائد المعنوية في الدنيا كالصلاة ، والتسبيح ، و الذكر و غيرها .
النوع الثاني : ما يرى الانسان جزاءه في الدنيا ايضا كما لو بنى حضارته ، ذلك لأن الحضارات هي المكاسب البشرية الباقية ، فما تأكله و تشربه ليس حضارة ، أما الذي تبنيه فهو جزء من الحضارة ، و الذي تعرفه قد لا يكون من الحضارة ، و لكن الذي تقوله أو تكتبهمن العلوم فهو من المكاسب الحضارية ، و بتعبير آخر من المدخرات الحضارية للمستقبل .
و الحضارة انما تبدأ ، و تنمو ، و تبقى عن طريق أولئك الذين يفكرون في المستقبل فيدخرون الاعمال الصالحة للمستقبل ، يعبدون الطرق ، و يعمرون المدن ، و يبنون المصانع و .. و .. التي تبقى .
و الامة التي تستهلك اكثر مما تنتج ، و تهدم أكثر مما تبني ، و تفسد اكثر مماتصلح ، فانها لا حضارة لها و مصيرها الى الاندثار .
أما المجتمع الذي يعمل فيعطي لما يبقى اكثر مما يعطي لما يفنى ، و ينتج أكثر مما يستهلك ، و بالتالي يصلح اكثر مما يفسد ، فانه مجتمع يبني الحضارة و يحميها .
و نظرة القرآن للمستقبل تنقسم الى شقين :
نظرة الى المستقبل في الحياة الدنيا ، و نظرة الى المستقبل في الآخرة ، و الحديث الشريف يقول : " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، و اعمل لأخراك كأنك تموت غدا " . مشيرا الى هذا المفهوم ، و هو : ضرورة العمل للمستقبل بشقيه الدنيوي و الأخروي .
و يشدد الاسلام على هذا الموضوع اكثر حينما يقول رسول الله (ص) : " اذا قامت الساعة و بيد أحدكم فسيل فليغرسها " ، اي اذا كان بيدك شتلة ، و رأيت اشراط الساعة قد ظهرت و قامت القيامة ، فلا تتوقف عن عملك ، بل اغرس تلك الشتلة ، و ذلك تأكيده علىضرورة العمل للمستقبل .
|