فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


صور من القيامة
لكي تتعادل نظرة الانسان فلا يغتر بالحياة الدنيا ، لابد ان يذكر بالآخرة . و بمدى حاجته هنالك للباقيات الصالحات . و هكذا يذكرنا الرب هنا بذلك اليوم الرهيب . بلى ذلك اليوم الذي تعود الدنيا كما بدأت و تنتهي هذه الدورة الحياتية على الأرض التي تشبه دورةالربيع . ألم يقل ربنا " مثل الحياة الدنيا " بلى ذلك كان المثل و هذه هي الحقيقة ، و ان قدرة الله التي قلبت الطبيعة عبر فصول العام هي التي تقلبها عبر دورة الوجود .

و لو نظرنا الى الوجود من خلال هذه البصيرة القرآنية إذا لهانت زينة الدنيا فيأعيننا ، و لتحملنا مسؤوليتنا ، و أخذنا من هذا المعبر السريع لذلك المنزل الباقي ، اليس كذلك ؟ دعنا نعيش لحظات في عمق المستقبل الحق . في يوم النشور الرهيب .

و ينتقل بنا السياق ليصور لنا مشهدا من مشاهد القيامة ، حيث تنتهي جاذبية الأرض - كما يبدو لي - و تصبح كالعهن المنفوش و تنبث بثا و تسير تسييرا . يقول تعالى :

[47] [ و يوم نسير الجبال ]

هذه الجبال على عظمتها و ضخامتها تتحرك ، و اذا تحركت الجبال و لم تثبت في مكانها فهل استطيع أنا أن اثبت في مكاني ؟

كلا .. كذلك زينة الحياة الدنيا ، فلا يمكنك أن تعتمد على شيء و تركن إليه ، لان هذا الشيء غير ثابت للأبد .

[ و ترى الأرض بارزة ]

لا شيء يستقر على الارض ، لا بناء و لا شجر و لا تلال ، فتصبح بارزة .

[ و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ]

فلا ينسى الله أحدا لان قبره في مكان بعيد ، أو لانه مات منذ زمن طويل ، أو لانه لم يسجل اسمه في القائمة ، لا شيء من ذلك أبدا ، فكل الناس بلا استثناء يقفون على أرض المحشر التي تكون بارزة ، مكشوفين لا شيء يسترهم .

[48] [ و عرضوا على ربك صفا ]


ثم تأتي مرحلة الاصطفاف بين يدي الله عز و جل ، في صفوف لا يعلم مداها ، الا الله حيث يتواجد آنذاك كل الناس الذين خلقهم الله منذ ملايين السنين و الى يوم القيامة .

[ لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ]

أين الأموال ؟ و أين البنون و العشيرية ؟ و أين الألقاب و المناصب ؟ لا شيء بقي من ذلك اليوم .

[ بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا ]

كنتم تتصورون ان يوم القيامة لن يأتي و قد أتى اليوم ، فأين انتم منه ؟

قال رسول الله (ص) عن الناس يوم المحشر : " يحشرون حفاة عراة غرلا ( و الغرل هم الغلف ) فقالت عائشة حين سمعت ذلك : " واسوأتاه ! أينظر بعضهم الى سوأة بعض من الرجال و النساء ؟! فقال (ص) : لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه و يشغل بعضهم عن بعض " .

فابصارهم تكون شاخصة الى الاهوال و الاحداث الرهيبة التي تأخذ مجراها في ذلك الوقت ، ويكون تفكيرهم منصبا على مصيرهم .

[49] [ و و ضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ]و يتعجبون : كيف رصدت كل التفصيلات الدقيقة ، المادية و المعنوية فيها فيرتجفون خوفا ، لان كل جرائمهم مكتوبة ، و هم مسؤولون عنها .

[ و يقولون يا ويلتنا ]


أي الويل و الثبور علينا .

[ مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ]كل سيئة أو خصلة أو حالة نفسية مسجلة في الكتاب ، و حتى النوايا القلبية و الافكار الذهنية تظهر واضحة امامهم .

[ و وجدوا ما عملوا حاضرا ]

امامهم ، و ليس اسم العمل وحده الذي يسجل ، بل و يصبح العمل مجسما يرونه و يحسونه ، فالطيب منه يتحول الى صور طيبة يوم القيامة ، بينما يتحول السيء الى صور مرعبة كالعقارب ، و الحيات ، و النيران ، و الأغلال ، و الظلمات و .. و .. لا بظلم من الله - حاشاه- فهو لم يخلق الناس ليعذبهم بل ليرحمهم ، انما يحصد الانسان ما يزرعه في الدنيا ، إن خيرا فخير وإن شر فشر .

[ و لا يظلم ربك أحدا ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس