فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
لمن الولاية ؟!

[50] [ و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ]

لقد كان ابليس من الجن ، و كانت الملائكة ارفع منهم درجة ، و قد أمر ابليس كما الملائكة بالسجود لآدم ، و لكنه خرج عن الطاعة ، و الفسوق هو : الخروج عن الحدود ، و ربما يكون الخروج أحيانا من مكان ضيق الى آخر رحيب ، أو من مكان غير مناسب الى آخر مناسب و لكن عندما يكون الخروج من الحدود المرسومة للشيء ، مثل أن يخرج الانسان من الحمى ، أو اذا خرجت الفاكهة من قشرها فان ذلك يسمى فسقا ، لأن هذا الخروج خروج غير مناسب ، و هو يؤدي الى نتائج سلبية .

يقول القرآن الحكيم ان خروج ابليس عن الطاعة كان فسقا أي كان سببا لفساده و هلاكه .


[ أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو ]

أي هل من الصحيح أن تتخذوا ابليس وليا من دون الله ، بينما ولي الانسان هو صديقه الذي يحبه ، بينما ابليس قد تمرد على الله و استنكف عن طاعته ، فكيف لا يستكبر على الناس و هو عدو لهم ؟!

[ بئس للظالمين بدلا ]

انه بديل سيء لمن يتخذه وليا من دون الله ، و لكن من الذي يتخذ ابليس وليا ؟

انهم الظالمون ، فعمل الانسان يؤثر على عقله و عقيدته ، فظلمه للآخرين و من ثم ظلمــه لنفسه ينعكس على عقيدته ، و لا يبتعد الانسان عن الشيطان الا اذا كان مؤمنا ، لذلك فــان القرآن غير توجيه الكلام فلم يقل : بئس لكم بدلا ، و انما قال : " بئس للظالمين بدلا " .

[51] [ ما أشهدتهم خلق السموات و الأرض ولا خلق أنفسهم ]ان هؤلاء لا يعلمون ما في السماوات و الأرض ، و بالتالي لا يصلحون للقيادة ، و الولي القائد هو ، الذي يعرف ماذا في السماوات حتى يمكنه أن يقود الناس بالطرق الصحيحة ، و ربما تعني الآية الكريمة من تعبير السماوات و الأرض التشريعات المعنوية و الطرق المادية للحياة ، و هؤلاء لا علم لهم بها لأنهم لم يشهدوا الخلق ليعرفوا ما يناسبهم من تشريعات ، و ليس هناك مصدر آخر للمعرفة غير الله .

بينما الله سبحانه و تعالى لم يكن فقط شاهدا على الخلق ، و انما كان خالقا بالتالي فهو أعلم بما في السماوات و الأرض و أولى بأن يتبع هداه ، ان هؤلاء لا يعلمون و لا يعرفون حتى أنفسهم ، و الذي لا يستطيع أن يقود نفسه الى الخير و الهدى ، فهل يمكنه ان يقودالآخرين ؟!


و من جهة أخرى : لا يتصور الناس بأن الانسان الضال يمكن ان تنفعهم قدرته و قوته شيئا . كلا .. لأن الضلالة تسبب فساد القوة و القدرة مهما كانت كبيرة و هائلة ، و يذكرنا القرآن بهذه الحقيقة فيقول :

[ و ما كنت متخذ المضلين عضدا ]

الذي يضلك لا يمكنك ان تتخذه عضدا لك ، و نلاحظ هنا ان القرآن قد وصف المضلين و هم جمع بكلمة " عضدا " و هي مفرد ، و لم يقل : اعضادا ، لأنه يريد ان ينفي الموضوع تماما .

و ذلك ابلغ لأن الانسان قد لا يتخذ مجموعة اعضاد ، و انما يأخذ عضدا واحدا ، و نفي المجموع ليس ينفي الفرد الواحد . بينما نفيها حيث تنفي حتى الواحد فانه يعني المجموع ايضا ليس موجود .

حرام أن يتخذ الانسان في حياته الدنيا رجلا ضالا عضدا يستعين به ، وبهذه الدرجة من العنف ينفى القرآن مسألة الاستعانة بالظالمين و التعاون معهم في أي حقل من الحقول .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس