فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


و جعلنا بينهم موبقا
[52] [ و يوم يقول نادوا شركاءي الذين زعمتم ]

في يوم القيامة يأتي الله بالناس الذين اتخذوا الشيطان و ذريته قادة و يقول : سأدعكم الآن لفترة تنادون أولئك القادة الذين كنتم تستعينون بهم في الدنيا ، فيقفون و يصيحون حتى تبح اصواتهم و لكن دون جدوى .

[ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم و جعلنا بينهم موبقا ]


بين الشركاء و المشركين هوة سحيقة و مهلكة ، يسميها القرآن بالموبق و هي : الفجوة العميقة الفاصلة بين شيئين ، و لكن لماذا هذه الفجوة ؟

بالرغم من أن هؤلاء و أولئك في كثير من الأحيان يسلكون سبيلا واحدا ، و مصيرهم جميعا الى النار ؟ لعل هذه الهوة العميقة ترمز الى الهوة التي يجب أن تكون بين الانسان و الشركاء .

[53] [ و رءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ]تأملوا هذا المشهد : الكفار لم يظنوا و تصوروا أنهم سيقعون في النار ، و انما تصوروا لمسهم للنار و احتكاكهم بها فقط .

[ و لم يجدوا عنها مصرفا ]

و حري بنا ان نتصور نحن هذه الحالة ، أيضا ، فنحن لم نر تلك النار اللاهبة الشديدة ، ولكننا نستطيع أن نتصور أنفسنا واقفين على نار قعرها عميق ، و حرها شديد ، و عذابها غليظ ، و نتخيل تلك النيران المحرقة و هي تلامس أجسادنا دون أن نجد مهربا منها ، لنتصورهذه الحالة ، فأن التصور يقرب الحقيقة الى ذهن الانسان و يقوم بدور الوسيط بينه و بين الحقائق البعيدة ، و بالتالي فهو يربي الانسان و ينمي تقواه .

ان الطالب الذي يتصور قاعة الامتحانات في آخر السنة الدراسية ، يتحصن ضد السقوط عندما يدخلها ليؤدي الامتحان عمليا ، و هكذا الفرد الذي تتاح له فرصة الجريمة ، و لكنه حين يتصور قاعة المحكمة انه يبتعد عن الجريمة ، كذلك نحن اذا تصورنا تلك النيران في جهنمسنمتنع عن المعاصي و الفساد .

ذلك هو التاريخ البعيد ، و هذا هو المستقبل القادم ، و بينهما ينثني السياقالقرآني ليذكرنا و يقول : ايها الناس تلك كانت قصص ماضيكم ، و تلك حوادث مستقبلكم ، فانتبهوا لحاضركم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس