فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


في العلاقة مع النعم
ان نظرة الاسلام للحياة الدنيا و زينتها هي : ان كثيرا من أشياء الحياة الدنيا تبدو أمام الانسان مفيدة ، و لكنها عند الله غير مفيدة لما يعلم من مستقبلها ، فان يشرب الانسان الخمر ، و يجلس على مائدة القمار ، و يأكل من أموال اليتامى ، قد تبدوا مفيدة و لذيذة له حاليا ، و لكنها تحمل في طياتها عواقب سيئة جدا ، و العكس كذلك صحيح ، فأيهما أفضل الانسان السالم أم الانسان المريض ؟

قد يكون الانسان المريض أفضل في بعض الاحيان ، لان الانسان السالم في دولة الارهاب يضعونه في السجن ، أم المريض فيتركونه آمنا في بيته ، و في بعض الاوقات تكون نظــرتنا الى الحياة ، غير حكيمة فلا نرى المستقبل فنحب ما يضرنا ، و نكره ما ينفعنا . كلا .. يجب ان نرضى برضا الله و نسلم لقضائه فاذا أعطانا ربنا شيئا ليس بذلك الكمال المطلوب ، فمن الخطأ ان نصر على الحصول عليه ، فباصرارنا قد يأتينا الله به و لكن يكون في ذلك ضرر لنا .

فمن جملة سنن الله في هلاك الاقوام فتح أبواب الرحمة عليهم ، فاذا فتح أبواب الرحمة كلها على أمة فان ذلك تدبير لهلاكها ، و كذلك بالنسبة للانسان ، فاذا رأيت النعم تنهال عليك من كل مكان فالزم الحذر ، و كن يقظا ، لان هذه النعم قد تكون استدراجا و ان اللهيريد ان يجرب إرادتك و قدرتك على المقاومة ، و يريد أن يعطيك رزقك مرة واحدة حتى لا يكون لك نصيب في الآخرة ، على الانسان ان يكون معتدلا و حكيما في تصرفاته مع زينة الحياة الدينا ، و لا يبالغ فيها و لا يطالب ربه ان يعطيه كلها مرة واحدة .

مــن جهة اخرى فان علاقة الانسان بنعم الحياة يجب ان تكون علاقة الشكر و ليست الكفر ، و علاقة الزكاة و ليس الطغيان .


ان علاقة الشكر هي : علاقة المحافظة على العوامل و الاسباب التي أدت الى النعمة فاذا قمت بثورة و نجحت فيها ، و وصلت الى السلطة ، ففكر في الذي دفعك الى السلطة من العناصر البشرية و العوامل المعنوية ، و اذا عرفتهما فحافظ عليهما ، فاذا حافظت عليهما فأنت شاكر لنعم الله تعالى ، أما اذا لم تحافظ عليهما فأنت كافر ، و الذي لا يحافظ على الاسباب و العوامل التي أدت الى حصوله على النعمة تتركه النعمة و ربما بلا رجعة ، أما علاقة الكفر فهي الاهمال لتلك العوامل . كذلك علاقة الزكاة ، فقد جاءت في القرآن بمعنى : الانفاق و في اللغة تأتي بمعنى : التطهير و النمو ، و ذلك لأن كل انفاق و كل عطاء انما هو بمعنى النمو فالانسان لا تنمو عضلاته الا عندما يستخدمها في العمل ، و لا ينمو عقله الا عندما يستخدمه في التفكير ، و لا تنمو قدرات لسانه الا عندما يستخدمه في النطق و الكلام، و هكذا فان كل شيء في الحياة يزكو و ينمو عن طريق العطاء و الانفاق ، و العكس صحيح ، فاذا ادخر الانسان جهوده فسوف تكون هذه الجهود سببا للطغيان ، و الطغيان يكون سببا للهلاك و الإنتهاء .

هكذا يعطينا القرآن الحكيم - فيما يبدو - درسا في العلاقة مع زينة الحياة الدنيا ، و قد سبق و ان قلنا ان سورة الكهف دروس و عبر تصحح علاقتنا مع الحياة الدنيا و ما فيها من زينة ، و أموال ، و أولاد .. ألخ .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس