فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


لماذا بنى الجدار ؟
[82] [ و أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة و كان تحته كنز لهما و كان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك ]فلو انهدم الجدار و جاء أهل المدينة و أرادوا أن يبنوا مكانه شيئا ، لأكتشفوا ذلكالكنز الذي كان عبارة من دراهم و دنانير ، أو كما جاء في الأحاديث : ان هذا الكنز كان كتبا خاصة باليتيمين ، حيث كتب أبوهما فيهما مختلف الأشياء ، و احتفظ بها تحت الجدار فأراد الله ان يبلغا سن الرشد و يستخرجا كنزهما و يستفيدا منه ، فقد روى القمي عن الصادقعليه السلام " كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد رسول الله ، عجبت لمن يعلم ان الموت حق كيف يفرح ، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن ، عجبت لمن يذكر النار فكيف يضحك ، عجبت لم يرى الدنيا و تصرف اهلها حالا بعد حال فكيف يطمئن اليها " (1) .

ان هذه الآية و الآية السابقة تدلان على فكرة هامة و هي : ان الله سبحانه و تعالى يكرم الانسان لأجل أبويه و انه اذا عمل الانسان عملا صالحا فان الله يكرمه ليس في ذاته فقط و انما في أبنائه ايضا ، و ان كثيرا من حكم الحوادث في الحياة التي تقع دون أن نعرفطبيعتها مرتبطة ليس بالشخص ذاته ، و انما مرتبطة بشخص آخر ، فلربما اكرم الله مريم الصديقة ، و أنشأها ، و رباها منذ نعومة أظفارها تلك التربية الزكية بسبب والدتها التي نذرت ما في بطنها محررا ، و أكرم عيسى بسبب أمه مريم الصديقة ، و ربما أكرم الله سبحانه كثيرا من الرجال المصلحين الذين ترى فيهم منذ طفولتهم آيات الشجاعة و الذكــاء مــن أجل آبائهم أو أمهاتهم جاء في الحديث عن العياشي عن الصادق عليه السلام : " ان الله ليحفظ ولد المؤمن الى الف سنة ، و ان الغلامين كان بينهما و بين ابويهما سبعمائة سنة ، وقال : ان الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده و يحفظه في دويرته و دويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله " (2) .


(1) تفسير الصافي / ج 2 - ص 257

(2) المصدر


و هــذا التكريم يشجع على العمل ، فحتى لو فكرت أنك لن تحصل على النتيجة في حياتك ، و لكن الخير حتما آتيك ان كنت لم تزل حيا ، و الا فسوف يأتي من بعدك أبنائك .

كما ان العكس صحيح ايضا حيث : ان الله سبحانه و تعالى قد يكتب هلاك انسان يعلم انه لو بقي حيا لأضر بالآخرين ، و قد قدر هلاك ذلك الغلام لكي لا يسبب طغيانا و كفرا لوالديـــه ، فاذا رأيت شيئا لا تفهمه فلا تنكره ، فلربما كانت هناك حكمة خفية من هذه الحكــم .

[ و ما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ]و في نهاية هذه القصة القصيرة نذكركم مرة أخرى بأن السعي وراء العلم و الخبرة يجب أن يكون هدف الانسان المؤمن أبدا ، و الخبرة هي علم الممارسة الحية لحوادث الحياة ، وهذه الخبرة هي من حكم الله في الحياة ، أو بتعبير آخر هي التي تجعل الانسان أكثر ايمانا وفهما لحكم الله في الحياة ، و بالتالي أقرب الى الأحكام الشرعية .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس