فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


ذو القرنين أسوة الحكم الفاضل
هدى من الآيات

ماذا فعل ذو القرنين شكرا لنعمة السلطة و القوة التي وهبها ربه له ؟ و ماذا كان موقفه من هذه الزينة الحياتية ؟ و ماذا ينبغي أن يكون عليه موقف المؤمنين الصالحين من زينة الحياة الدنيا ؟

كل ذلك مما تذكره هذه الآيات الكريمة ، في سلسلة أحاديث القرآن في سورة الكهف ، عن علاقة الانسان بالطبيعة ، لقد بنى ذو القرنين سدا منيعا لا يخترق لقوم لا تربطه بهم علاقة الا علاقة الخدمة الانسانية ، و رفض أن يأخذ منهم أجرا أو يطالبهم بشكر ، انما هو الذي شكر ربه الذي وهب له هذه القدرة .

و لقد شكر ذو القرنين ربه مرتين ، مرة حينما استخدم القدرة في سبيل منفعة الناس و مرة حينما استخدم عمله وسيلة لهدايتهم ، و كشف للناس ان هذه القوة مما وهبه الله له من فضله و عرف بأن حاجة الناس الى الرسالة و الهداية أعظم من حاجتهم الى قوته و سلطته ، فاستخدم تلك اللحظة التي شعر فيها أولئك الذين كانوا


يتعرضون لهجوم مرعب كل عام مرتين بالأمن و الراحة عندما رأوا ان الله قد أنقذهم على يديه ، استغل ذو القرنين تلك اللحظة في سبيل توجيه الناس و هدايتهم ، و هذا منتهى ما يستطيع أن يقوم به صاحب سلطان أو صاحب قوة ، فهو حين يعطي ماله - مثلا - فيشبع جوعة مسكين أو يغني فقيرا ، أو يؤوي يتيما ، لا يكتفي بذلك ، و انما يبدأ بهداية ذلك الفرد ، فيقول : هذا المال ليس لي ، و انما هو لك ، و انه فضل من ربي ، ان الله قد يعطيك خيرا من هذا المال ، و هكذا يتحدث اليه فيفيده بحديثه اكثر مما يفيده بماله .

جاء للامام الحسين ( عليه السلام ) فقير يطلب منه حاجة ، فأخذ أربعة آلاف درهم و جعلها في طرف عباءته ، ثم فتح جانب الباب و دفعها له ، مستحييا منه لكي لا يجعل الفقير يحس بالخنوع ، و لكي يربيه و يزكيه ، و يبين له ان اعطاء المال بحد ذاته ليس خدمة ، وانما الخدمة الحقيقية هي الإسلوب المهذب المتواضع ، و بالتالي فان الامام يعطيه من التربية اكثر مما يعطيه من المال .

و الامام علي ( عليه السلام ) يأتيه رجل و يطلب منه حاجة ، فيشير اليه الامام بأن : أكتب حاجتك ، ولا تقلها مشافهة .

لكـي يوفر عليه ماء وجهه ، و بذلك يعطيه من التربية اكثر مما يلبي حاجته المادية .

هذا هو الموقف السليم الذي يجب ان يتحلى به المؤمنون ، فيشكرون ما اعطاهم الله عليهم من فضله و يبنون علاقتهم بالآخرين على هذا الأساس .

و هناك درس آخر نستفيده من الآيات و هو : موقف الناس من صاحب السلطة ، و أنه مهما كان عليه ذو القرنين من سلطة كبيرة و عظيمة ، فان هذه السلطة من الله و بالله و الى الله ، و يوم القيامة يحشر الناس الى ربهم لا الى سلاطينهم أو أغنيائهم ،و كل الناس في يوم القيامة سوف يختلطون ببعضهم و يموج بعضهم في بعض ، من دون ان يعرف هذا سيد و هذا مسود ، و هذا كبير و هذا صغير - بل يكونون كالنحل الذي يدخل بعضه في بعض عند الخلية من دون ان تكون هناك ميزة لواحدة دون أخرى - لا لكبير على صغير ، ولا لرجل على أنثى ، و لا لشيخ على شاب ، لأن الناس سيقفون على صعيد واحد عندما يحشرون الى ربهم ، اذن فلتسقط هذه الاعتبارات الذاتية ، و ليرتفع الانسان الى مستوى القيم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس