فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
بناء السد
[96] [ ءاتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين ]
أي وفروا لي قطع الحديد ، و الزبر هي القطع المجتمعة من شيء ، سواءا كان ماديا كالحديد أو معنويا كالفكر ، فالكتاب السماوي يسمى زبورا لان فيه افكار مجتمعة الى بعضها ، و كذلك الحديد الذي يجتمع الى بعضه يسمى ايضا زبرا .
و بعد ان طلب أهالي البلاد من ذي القرنين ان يساعدهم في محنتهم ، جمعهم ذو القرنين و نظم قواهم ، و طلب منهم أن يجمعوا قطع الحديد التي كانت متوفرة في بلادهم ، ثم أمرهم بأن ينفخوا في النار حول هذه القطع الحديدية ، فاشعلوا النار و أخذوا ينفخون فيها كماينفخ أصحاب صناعة الحديد قديما في النار بطريقتهم الخاصة .
[ قال انفخوا حتى إذا جعله نارا ]
التهب الحديـــد من شدة النار و هكذا التحمت القطع الحديدة ببعضها ، و لم يكتف بذلك بــل .
[ قال ءاتوني أفرغ عليه قطرا ]
ثم طالبهم بأن يأتوا اليه بالنحاس المذاب ، ثم يصبونه على القطع الحديدية المحماة ، ثم يتركونها مدة حتى تبرد ، فاذا بسد عظيم بين الجبلين مبني من قطع الحديد المتلاصقة ببعضها ، وعليها النحاس .. يزيده قوة لان الحديد تتضاعف قوته مع النحاس كما يقول اصحابالفن ، يسد الخلل بين قطع الحديد . و يمنع عنه الصدأ .
و اذا كان هذا السد هو الموجود حاليا في منطقة القوقاز فان سلسلة الجبال التي تشكل حاجزا طبيعيا بين مناطق المغول و منطقة القوقاز تكون قد اكتملت بهذا السد و اصبحت كحائط عظيم حيث ان مكانه هي الثغرة الوحيدة في المنطقة و لقد كان من أروع الانجازات المعمارية في ذلك اليوم و لعله حتى اليوم يعتبر أقوى سد في العالم .
[97] [ فما استطاعوا أن يظهروه و ما استطاعوا له نقبا ]كان مرتفعا بحيث لم يستطيع يأجوج و مأجوج أن يتسلقوه ، و كان متينا بحيث لم يستطيعوا ان ينقبوا من تحته نقبا ، و لعل ذا القرنين كان قد حفر حفيرة كبيرة و جعل الجدار الحديدي راسخا فيها بحيث لا يمكنهم النقب أيضا على المنطقة الصخرية الصلبة .
ان كل ما قام به ذو القرنين ، اعطاء الخبرة ، و تنظيم قوة الناس في بناء هذا السد ، فهو لم يأت بالحديد ، و لا بالقطر ، و لا بالقوة البشرية من بلده ، كل الامكانات كانت موجــودة و متوفرة ، و مع ذلك لم يتمكن أهالي تلك البلاد من الاهتداء الى مثل هذا العمل ، أما للاحتلافات الموجودة بينهم ، أو لعدم تنظيم قواهم ، أو لنقص في خبرتهم الحضارية ، فلم يعرفوا أنه من الممكن ان يجمعوا قطع الحديد الى بعضها ، و يفرغوا عليها قطرا حتى تصبح سدا منيعا ، و هذا ما يؤكد علىان السلطة القويمة هي السلطة التي تجمع قوى الناس و تعبؤها في سبيل مصلحتهم .
نحن نرى بلادنا تفتقر الى الصناعات الثقيلة برغم توفر كل الإمكانات لديها لإنشائها . لماذا ؟
لأن ذلك يستدعي تعبئة طاقات الامة كلها ، فالسلطة يجب ان تبني الجامعات لكي تتوفر الكوادر القيادية من العلماء ، و الفنيين ، و الاخصائيين ، الذين يمكنهم الاستفادة من الإمكانات البشرية ، و المادية بهذه الأمور ، و هذه هي الفوائد الاساسية للسلطة الحكيمةو عليها ان تستخرج المعادن ، و تبني المشاريع الضخمة لتوفير الطاقة من بترول و كهرباء و عليهــا ان تمد الجسور و الطرق . و تبني الموانــئ ثم توفــر الخطة و المال و القوانيــن المنسقة من أجل بناء صناعات ثقيلة ، و هناك يبدا دور التعب في السعي و الكد و الأبـــداع .
|