فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس

جزاء المشركين
هدى من الآيات

عادة ما تكون بدايات السور القرآنية و نهاياتها تلخيصا لموضوعها الرئيسي ، و القاء للضوء على مجمل الأفكار التي بحثت في آياتها .

و في نهاية سورة الكهف التي حدثتنا عن سلسلتين متوازيتين و مرتبطتين مع بعضها من الأفكار ، و هما الحديث عن موقف الانسان من الطبيعة و زينة الحياة الدنيا ، و الحديث عن العلم و الذكر و كيفيية الحصول عليهما ، نجد تلخيصا لهذين المبحثين .

الدرس الأخير يحدثنا عن أولئك الذين يتخذون عباد الله من دونه أولياء و لعل مناسبــة الحديث ذكر قصة ذي القرنين صاحب السلطة الشاملة الذي لم يكن سوى عبد صالح . و لم يكن لأحد ان يعبده من دون الله و هكذا تخوف آيات هذا الدرس من يعبدون البشر ، و تحذرهم بأنجهنم هي مصيرهم المحتوم ، ثم تشير الى جذر هذه المشكلة و هي التبرير و الخداع الذاتي ، حيث يعتبر ذلك في الواقع من أخطر الأمراضالفكرية التي تواجه البشر .

ان المصاب بهذا الداء يعتقد أن ما يعمله صالح ، بينما هو في جوهره فاسد ، و هكذا تصبح كل تطلعاته الخيرة وراء ذلك العمل ، و تصبح وقودا للسير الحثيث في الطريق الخطأ ، فلا يصل الى شيء من أهداف ، بل يجد كل الخسارة في انتظاره .

و هذا الداء لا يصاب به الانسان الا في المراحل المتقدمة من ضلالته ، ففي البداية تظل النفس اللوامة تحذره من الانحراف و نتائجه الوخيمة ، و يطل ضميره يوبخه ، كما ان عقله يظل يضيء له شيئا من الطريق الصواب ، بالاضافة الى أنه كثيرا ما يجد من ينصحه و يعظهو يبين له الحقائق ، لهذا يبقى له امل بأن يقوم ما أعوج من أمره .

و لكنه اذا استمر وعاند ، فانئذ يسلب الله منه ضميره و عقله ، و يجعل على بصره غشاوة و في سمعه وقرا ، و يختم على قلبه ، و ينفض الناصحون من حوله ، ليحل محلهم من يزين له السوء و يشجعه عليه ، فينتهي به الأمر الى أن يكون شيطانا مريدا .

ثم يبين القرآن حقيقة هامة هي : ان ما يحسبه الانسان ذا شأن خطير في حياته الدنيا ، من مال ، و بنين ، و جاه ، و سلطة و ما اشبه هو عند الله تافه الا اذا سار في طريقه المستقيم .

و فور ما يحدثنا القرآن عن ضلالة الانسان في الحياة الدنيا ، يذكر لنا هذه الشهوات التي تحجب قلب الانسان و توقعه في وهدة الضلالة ، و تكون السبب في وصوله الى ذلك الدرك الأسفل ، حيث يعمل شرا و يحسب أنه عمل صالحا .

ثم يعرج القرآن الى الجانب الآخر حيث المؤمنون الصالحون عملا يسكنون الفردوس و هي أعالي الجنان ، و حينما يدخل الانسان ذلك المكان يجد أنه قد خلقله ، فلا يجد في نفسه طمعا و لا طموحا ولا تطلعا آخر ، لأن جنة الفردوس هي في مستوى طموحاته و تطلعاته ، ذلك الانسان الذي لا يرضيه شيء في الدنيا ، و الذي اذا حصل على القارات السبع فانه يريد أن يصعد الى النجوم و يحصل عليها ، و عندما يرى الجنة يقول : كفانيو لا أريد عنها انتقالا .

و بالمقارنة بين هاتين الصورتين ، صورة الانسان الذي تتحقق طموحاته كلها في الآخرة و صورة الانسان الذي يعيش في الدرك الأسفل . هناك ، و هو يحسب أنه كان يحسن صنعا في الدنيا نتوصل الى معرفة الفرق بين طريق الحق ( و هذه نهايته ) و طريق الضلال ( و تلك عاقبته ) .

هذه الحقائق هي من كلمات الله التي لا تنفد ، و هي المعارف و الهدى و التوجيهات التي هي انعكاس عن سنن الله في خلقه للطبيعة و الانسان ، و لذلك على الانسان أن لا يغتر بعلمه المحدود و يعتقد أنه قد فهم كل شيء ، فهذا الغرور هو الذي يسبب اعتقاده بأنه على الصراط المستقيم ، بينما الحقيقة عكس ذلك تماما .

و تنتهي هذه السورة بتلخيص فكرة الاستفادة من فيض هذه الكلمات التي لا تنفد و لو كان البحر مدادا لكتابتها ، و هي عبادة الانسان لله ، و اخلاص طاعته له ، و العمل برجاء لقائه .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس