فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
ربنا آتنا في الدنيا و ماله في الآخرة من خلاق

[15] كثيرا ما يخدع البسطاء من النــــاس ما يرونه من ازدهار و تقدم للكفار و المنافقين سواء لمجتمعاتهم أو لأفرادهــــــم ، و يزعمـــــون أنه لو كانت الرسالة صحيحة و انها على حق ، و أعداؤها على باطل اذا لــــــم يتقدم أعداء الرسالة في الدنيا ؟ و ينسى


هذا الفريق الساذج من الناس حقيقتين :

الأولى : ان دار الدنيا دار ابتلاء و اختبار ، و ان الله لم يقدر الجزاء العاجل فيها لحكمة ابتلاء الناس بما يفعلون ، و اختبار وعيهم و عقلهم و ارادتهم و حسن او سوء اختيارهــم ، و لو عجل ربنا في عقاب الكافرين او ثواب المؤمنين ، لانعدمت فرصة ابتلائهم ،و كما جاء في الحديث عن الامام علي (ع) في موضوع الانبياء انه .

" لو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام ، و عزة لا تضام ، و ملك تمد نحوه أعناق الرجال ، و تشد إليه عقد الرحال لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار و أبعد لهم في الاستكبار ، و لأمنوا عن رهبة قاهرة لهم ، أو رغبة مائلة بهم ، فكانت النيات مشتركة ، و الحسنات مقتسمة " (1)

الحقيقة الثانية : ان طبيعة عمل الكفار صلاح ظاهره و فساد باطنه ، فهو كشجرة مسوسة او بناء أنيق يكاد يتهدم بسبب تزلزل قواعده . و كل جزاء يرتبط بظاهــر العمل ، و صورته الخارجية ، فانه يعجل لهم دون نقيصة ، بينما يبقى الجزاء الحقيقي الباقي لأولئك الذينيصلحون واقع عملهم .

فالشجرة المسوسة تعطيك البهجة و الظل ، و لكنها لا تعطيك الثمر ، و هكذا العمل الذي يفقد عنصرالأيمان و الصدق مثل الذي يرائي الناس في أعماله ، يكسب بعض الشهرة عندهم ، و لكن الصلاة التي يقيمها رياء لا تعرج بنفسه في سماء الفضيلة و التقوى ، و كذلك المجتمع الكافر الـــذي يعمل من أجل الرفاه فقط فان حياته المادية العاجلة سوف تتحسـن ظاهرا ، و لفتـــــــــرة محـــــدودة اذ ان الذنوب و المعاصي ، و ظلم بعضهم لبعض ، و ظلمهم لسائر المجتمعات كـــل ذلك يصبح كالسوسة التي تنخر في أعماقهــــــــــم(1) نهج البلاغة خ 192 ص 292


حتى ينهار بناؤهم الأنيق ، و يكون مصيرهم مصير عاد و ثمود و أصحاب الرس و أصحاب الايكة ، الذين انهارت حضاراتهم التي اغتروا بها ، و زعموا انها خالدة .

[ من كان يريد الحياة الدنيا و زينتهـــا نوف إليهــم أعمالهم فيها و هم فيهــا لا يبخسون ][16] و لكن مثل هذا الفريق مثل الشاب الذي يستنفذ كل طاقاته في ايام صحته و فراغه و قوته ، فاذا حل بساحة الشيب لم يجد شيئا ينفعه .. امواله صرفت ، طاقاته استنفذت ، و امكاناته أنفقت ، كذلك المجتمع الذي يفكر في لحظته لا يفكر في القيم و لا في المجتمعات الثاني ، و لا في مستقبله انه لا حظ له في الآخرة ، بل إن اعماله السابقة تبطل لأنها لم تكن قائمة منذ البدء على اساس ثابت .

[ أولئك الذين ليس لهم في الاخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها و بطل ما كانوا يعملون ]لقد بنوا حضارتهم على قاعدة الأعتداء و الظلم و الفساد ، فهي على شفا جــرف هار . تنهار بهم في نار جهنم .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس