فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
الرسول و أولياء الرسالة
[29] لأن الملأ من قوم نوح ، و كذلك الملأ المستكبرين من كل قوم يستغلون الناس ، و يستثمـــرون طاقاتهم ، فلا يسعهم النظر الى الاحداث إلا من خلال واقعهم الطبقي ، لذلك يتهمون الرسل بأنهم إنما يريدون الثروة من وراء دعوتهم ، وينفي الرسل بكل قوة هذه التهمة ليفصلوا بين دعوتهم الاصلاحية و بين دعوات الملأ التي تهدف المزيد من استغلال المستضعفين .
[ و يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله ]فنوح - شأنه شأن كل البشر - يطلب أجرا و يعمل لهدف ، و لكنه لا يطلبه من الناس بل من الله ، و بذلك أثبت نوح - مرة اخرى - الطابع الغيبي لرسالته .
و لأن نوحا (ع) لا يريد الانتفاع بعلمه ليصبح رقما جديدا في قائمة الملأ يتقاسم معهم المكاسب الآتية من ظلم الناس و استغلالهم ، كما كان يفعل علماء السوء . لذلك فهو يقف الى جانب المظلومين و يقول بصراحتة :
[ و ما أنا بطارد الذين آمنوا ]
و قد يكون للطبقة السفلى التي تهرع الى الايمان بعض السلبيـــــات المترسبة فيهم بسبب الجاهلية ، أو بسبب تعرضهم للظلم ، فرسالة السماء ليست مســــــؤولة عــن سلبياتهم ، و عدم طردهم لا يعني أبدا أن رسول الله يزكيهم تماما ، بل إن حسابهم عند الله .
[ إنهم ملاقوا ربهم ]
بيد أن الملأ من قوم نوح لم يزالوا على ضلالتهم التي تقسم الناس على أساس المال أو الدم .
[ و لكني أراكم قوما تجهلون ]
[30] الطبقة الدنيا التي بادرت بالايمان دخلت حصن الله ، و الله يحمي الذين يتحصنون به ، و لو أراد أحد طردهم ، و أراد الله نصرهم فان ارادة الله هي الغالبة ، و لا يملك من يطردهم قوة يرد بها غضب الله عليه .
[ و يا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم ]
و في هذه الآية دليل على أن احتفاظ رسول الله بالمؤمنين من الطبقات الدنيا ليست بهدف الانتصار بهم أو تكثير العدد حول نفسه ، بل لأنهم مؤمنون ، و الله يحـــب المؤمنين .
[ أفلا تذكرون ]
فالمسألة بحاجة الى تذكرة ، و لفت نظر حتى يعرف الانسان أن الأمور بيد الله ، و أن ربنا لا ينظر الى الغنى و الجاه بل الى الايمان و العمل الصالح .
إني بشر مثلكم :
[31] و عاد نوح عليه السلام يبين أبعاد رسالته التي هي أيضا أبعاد رسالة كل رسول و كل مصلح يتبع خط الرسل .
فأولا : إن الرسول يدعو الناس الى الله و الى الحق الذي تعرفه فطرتهم ، و هـــذا هــورأسماله ، ولا يدعوهم الى نفسه باعبتاره صاحب ثروة طائلة .
[ و لا أقول لكم عندي خزائن الله ]
بل خزائن الله موجودة في ذات الانسان ، و في الأرض التي أعطى الله البشر القدرة على تسخيرها بالايمان و العمل الصالح .
فالفكرة المتخلفة التي تنتظر من صاحب الرسالة ( تفجير الأرض بالينابيع ، و استخراج كنوز الحياة ، و تقديمها لهم بل عمل ) انها فكرة خاطئة .
ثانيا : أن الرسول لا يدعي الغيب إلا بقدر ما يوحي إليه ربه عبر رسالتــــه ، و لذلك فهو لا يعد الناس بالرفاه ، و انه مثلا يأخذ بأيديهم و يدلهــم علــى معـــادن الذهب و الفضة .
[ و لا أعلم الغيب ]
ثالثا : انه لا يدعي امتلاكه لقوة قاهرة ، باعبتاره من عنصر الملائكة .
[ و لا أقول إني ملك ]
رابعا : انه لا يتعالى على الناس .
[ و لا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا ]بل ان الخير و الشر هما من الانسان نفسه ، من عمله النابع عن نية صالحة ، و لا يعرف ذلك إلا الله .
[ الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ]
|