فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
لن يؤمن من قومك إلا من آمن
[32] من أبرز الصفات الرسالية التي كان الانبياء العظام يتمتعون بها هي الاستقامة و الاستمرار في الدعوة دون كلل .
فنوح عليه السلام أتعب قومه من كثرة جداله معهم . حتى طالبوه بما وعــدهم من العذاب ، و زعموا ان نزول العذاب بهم أفضل من هذه الدعوة التي تلاحقهم في كل وقت و في كل مكان .
[ قالوا يا نوح قد جادلتنـــــا فأكثـرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصـادقين ]لقد دعا نوح قومه ليلا و نهارا . سرا و جهـــارا ، و لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدق مسامعهم بكلماته البليغة ، و انذاره الشديد حتى سئموا منه و لم يسأم و هكذا ينبغي ان يكون الرساليون على مر العصور الاستقامــــة على الدعوة أنى كانت الفترة طويلة .
[33] و لم يترك نوح كلامهم الآخر من دون جواب . بل نبههم مرة اخرى الى أن الله و ليس هو يأتيهم بالعذاب ، و انهم لا يقدرون آنئذ على الفرار .
[ قال إنما يأتيكم به الله إن شاء و ما أنتم بمعجزين ]و هذه سمة ثانية و هامة في رسالات السماء حيث أن الأنبياء ( عليهم السلام ) لا يدعون لانفسهم شيئا . و يذكرون الناس بان دورهم فقط دور المبلغ ، و أن الأمر بيـــد الله .
[34] و تأكيدا لهذه الحقيقة ذكر نوح قومه بأن النصيحة لا تنفع إلا بإذن الله . اذ الهدى و الضلالة انما هي بأمر الله و إذنه ، و اذا كفر أحد بنعمة العقل . فان ربنا قد يسلبها منه فلا يستفيد من النصيحة .
[ و لا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم و إليه ترجعون ]في المفردات : الغي : جهل من اعتقاد فاسد و ذلك أن الجهل قد يكون في الانسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا و لا فاسدا ، وقد يكون في اعتقاد شيء فاسد ، و هذا النحو الثاني يقال له : غي ، و قد يكون هذا الغي يشير الى الله تعالى قد يسلب من البشر نعمة العقل .
فيعتقد بالباطل حقا .
[35] هكذا رسالات الله جميعا ، التي انزلت على نوح و التي انزلت على محمد (ص) سبيلها واحد ، فهي من الله . و الرسول يعلم مدى الخيانة التي يرتكبها من يفتري على الله ، و لكن جريمة من لا يهتدي بالرسالة ليست بسيطة هي الاخرى ، و ليس من السهل ان يسترسل الفرد و لا يستمع لرسول الرسالة بمجرد احتمال كذبـــه لانها جريمة كبيرة ايضا .
[ أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي و أنا بريء مما تجرمون ]جاء في تفسير مجمع البيان : " قيل انه يعني بذلك محمدا (ص) . و المراد أيؤمــــن كفار ( قوم ) محمد بما أخبرهم به محمد (ص) من نبأ قوم نوح ، أم يقولون : افتراه محمدمن تلقاء نفسه ، و قيل : يعني نوحا ، و انه يقول على الله الكذب " . (1)بيد انه يمكن ان يفسر القرآن على أكثر من وجه فيكون المراد ليس فقط رسالة محمد (ص) و انما رسالة نوح أيضا .
[36] و لم يترك نوح عليه السلام الجدال مع قومه الا بعد أن اوحى اليه ربه انه يستحيل ايمان قومه بعد الآن ، و ان عليه الا يحزن عليهم ، و الا يعيش حالة البؤس بسبب أفعالهم .
[ و أوحي الى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانـــــوا يفعلون ]ان رسل الله عليهم السلام يتمحصون حول الله ، و يصبحون شعلة من الحركة و الاندفاع من أجل تبليغ رسالة الله . حتى يكادوا يهلكون أنفسهم حزنا بسبب عدم إيمان الناس ، و جاء في القرآن : " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (2) و جاء : " فلعلك باخع نفسك على آثارهم أن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " (3) و هذا نوح عليه السلام يبلغ حالة البؤس و الاستكانة بسبب ما يفعله ، و لكن الله ينهاه عــن ذلك . و يأمره بمتابعة دربــــه .
|