فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
التسليم لقضاء الله

[45] في بعض الاحاديث المروية : " ان الشيطان دخل سفينة نوح متسللا " و الواقع ان الحكمـــة في خلق البشر هي ابتلاؤه ، و وجود الشيطان جزء من معادلة الامتحان ، و انحراف البشر ليس دائما لوجود ضغوط خارجية عليه ، بل ان الهوى و الشهوة ، و الانجذاب الى مظاهر الحياة الذي اودعه الله في كيان كل شخص هو الآخر جزء من معادلة الامتحان و حكمة الحياة .

و هكذا نجد آدم عليه السلام - أبا البشر - أول من ارتكب الخطأ بدافع الملـــك و الخلود ، قبل أن تدركه رحمة الله و تعصمه من الزلل .

و نجد نوحا و قد خرج من محنة الصراع منتصرا على الجبت الداخلي و الطاغوت الخارجي ، و لكنه لا يزال بحاجة الى مغفرة الله و رحمته . يحتاج الى رحمة الله حتى يعصمه من تكرار الزلل ، و هكذا دعا نوح ربه بلباقة ان يفي بوعده بانقاذ أهله ، و لكن الله أجابه بصراحة : انه ليس من أهلك لان رابطتك الحقيقية هي مع الذين يعملون الصالحات ، و هذا الابن لا يملك مقياس العمل الصالح .

[ و نادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي و إن وعدك الحــق و أنــت أحكم الحاكمين ][46] [ قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ]ربما توحي هذه الآية بضرورة الرضا الكامل بالاقدار التي لا يعرف المرءحكمتها ، و التسليم المطلق للأوامر التي لا يفهم البشر فلسفتها .

[47] ان درجــة تسليم الانبياء عليهم السلام لله و لاوامره و أقداره تصل الى القمة ، بسبب تأديب ربنا لرسله الكرام ، و لذلك نجد نوحا عليه السلام يستعين بعصمة ربه لكي لا يسأل ربه ما ليس له به علم ، و لا يقترح عليه ما لا يعلم انه في صالحه و صالح رسالتهو أمته .

[ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي و ترحمني أكن من الخاسرين ]ان مغفرة الله ضرورة حياتية للبشر لتزيل آثار الذنوب و السقطات التي يتعرض لها الانسان أبدا .. فمن دونها تتراكم هذه الآثار حتى ترسي على قلبه ، و تحجب عقله ، كما أن رحمة الله ضرورة اخرى لاستمرار بقاء الانسان نظيفا ، و لكي لا يدعوه الضعف و العجز الى ارتكاب المعاصي ، و قد جاء في الدعاء : " اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، و بطاعتك عن معصيتك ، و بفضلك عمن سواك ... " ، فرحمة الله هي التي تعصم البشر من الذنوب ، لا فرق بين الرسل و غيرهم .

[48] و هبط نوح بأمر الله يحمل معه هديتين الى الأرض السلام و البركة ، و يعني السلام المحافظة على النعمة القائمة و الموجودة فعلا ، و بالتالي رفع الضرر الذي يهدد بزوال النعم ، بينما تعني البركة زيادة النعم و التقدم في حقول الحياة .

[ قيل يا نوح اهبط بسلام منا و بركات عليك و على أمم ممن معك ]و السلام و البركة هما من الله بسبب رسالته . لذلك يسلبان عمن لا يعرف قيمة الرسالة فينحرف عنها ، لذلك خصص القرآن أمما دون أخرى للسلام و الأمن قائلا :

[ و أمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ]


و ذلك بسبب ان هذا النوع الثاني من الأمم ينحرفون عن الرسالة ، و يبدلون دين اللـــــه .

و ربما توحي هذه الآية بأن سنة الحياة الأولية هي السلام و البركة لو لا انحراف البشر فيها .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس