فصل:
الاول |
قبل |
بعد
| الاخير
| الفهرس
بينات من الآيات
رسالة هود و أبعادها
[50] أرسل ربنا الى عاد واحدا منهم يسميه ربنا بأخيهم لكي يكون أقرب الى قبول الرسالة ، و أوضح بيانا ، فأمرهم بعبادة الله و نبذ الشركاء . و فضح منذ اللحظة الاولى كذب و دجل الشركاء من دون الله . شأنه شأن سائر الرسل التي لا تهــادن في دين الله أبــدا .
[ و الى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيــره إن أنتــم إلا مفترون ]اي انكم تفترون على الله الكذب ، بادعائكم ان هذه الآلهة تمثل الله في الأرض ، و ربما تدل هذه الآية على أن انحراف البشر الاساسي يكون عادة في تبديل جوهر الدين لا إطاراته الخارجية ، فيفسر ذات النص الديني ( الامر بعبادة الله ، و نبذ الشركاء ) بمفهوم متناقض ليصبح داعيا الى عبادة الشركاء افتراء على الله ، مثلا :
يفسر قوله سبحانه : " و اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم " بان معناه اطاعة كل حاكم ظالم متجبر بمجرد تسلطه على الناس الذي يناقض تماما فكرة التوحيد و اطاعة الله هكذا حدث عند المسلمين اما عند عاد فقد حدث شبه ذلك ، حيث اطاعوا الشركاءباسم انهم مستخلفون من قبل الله ، و أطاعوا الأصنام باســــم أنها شفعاء عند اللــــه .
[51] و اذا كانت الكهنة سدنة معابد الاصنام ، و علماء السوء المحيطون ببلاط المستكبرين يبيعون علمهم على من يشتري ، و يستطيلون على الضعفاء ، فان هودا عليه السلام لم يطالبهم بأي أجر ، و كفى ذلك شاهدا و دليلا على صدق رسالته ، فلماذا اذا كان يعرض نفسه لكل تلك الصعاب ، ان لم يكن صادقا ، و هو لا يطالب الناس بأجر و لا بهدف الوصول الى غاية خاصة ؟!
[ يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ][52] و طالب هود قومه أن يصلحوا أنفسهم بطلب المغفرة من الله تعالى ، و إظهار الندم من الذنوب السابقة ، و بعدئذ العودة الى تعاليم السماء و تطبيقها .
[ و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه ]
فاذا فعلوا ذلك فان الله سوف يفتح لهم أبواب رحمته بانزال قطر السماء بغزارة ، و اعطائهم المزيد من القوة و المنعة .
[ يرسل السماء عليكم مدرارا و يزدكم قوة الى قوتكم ]و في غير هذه الحالة يعتبرون مجرمين خارجين عن القانون و يستحقون العذاب .
[ و لا تتولوا مجرمين ]
[53] و رفض قوم هود رسالة الله ، و ادعوا انهم لم يقتنعوا بادلته و حججه ، و لكن كذبا إذ أن دافعهم الاصلي في رفضهم لها كان تمسكهم الأعمى بالتقاليد و عبادتهم للآلهة التي رفضوا تركها اعتمادا على كلام هود ، و ربما كان هناك سبب آخر لرفضهم للرسالة . هــواستنكافهــم عــن التسليـم لهود . و يوحي الى ذلك تعابيرهم التي كرر فيها ( الخطاب ) و نسبت الرسالة الى شخص هود ، بينما لم يكن هود سوى رسول حامل للرسالة . تدبروا في الآية :
[ قالـــــوا يا هود ما جئتنا ببينة و ما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك و ما نحن لك بمؤمنين ]و قد زعموا أن ايمانهم ، إنما هو للرسول و في منفعته ، بينما كان الواقع غير ذلك تماما .
[54] و لكي يبـــرروا جهلهم بواقــع الرسالـــة ، و يغطــوا على نقــاط الضعف في كلامهـــم نسبوا الرسالة الى حالة مجهولة غيبية ، اعترت الرسول - مما لا يعرف أبعادها - .
[ إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ]
و هكذا اعترفوا ضمنيا بخطأ أقوالهم السابقة ، و زعمهم بأن هودا إنما يدعوهم لنفسه . و هنا عرف هود ان العصبية العمياء تحيط بقلوب هؤلاء القوم فيرفضون الحق بلا تفكر لذلك .
[ قال إني أشهد الله و أشهدوا إني بريء مما تشركون ]و بدأت مرحلة جديدة من الصراع هي مرحلة المواجهة الساخنة حيث أعلن هود براءته من أفكارهم . و انفصاله عن مجتمعهم الفاسد .
|