فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات
[74] حين سكنت نفسية ابراهيم (ع) من المفاجآت ، و بشر بالنصر ، عاد اليه حنانه المتدفق نحو انقاذ الناس من الجاهلية ، و اخذ يجادل ربه في قوم لوط و يتضرع اليه ان يؤتوا فرصة اخرى للهداية .

[ فلما ذهب عن إبراهيم الروع و جاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط ][75] و يشهد جدل ابراهيم (ع) و دفاعه المستميت عن الناس على مدى اهتمام الرسل بالناس ، و ان دعوتهم ليست من اجل مصالح ذاتية ، بل من اجل حبهم العميق للأخرين .

[ إن أبراهيم لحليم أواه منيب ]

فبحلمه العظيم صبر على اذى قومه ، على امل ان يهتدوا في يوم من الأيام ، و لا يزال ينتظر هدايتهم لا هلاكهم ، و لأنه دائم التضرع الى الله ، و قلبه متصل أبدا بالله عن طريق المناجاة نراه يدعو الله لكي ينقذ قوم لوط ، و يعطيهم فرصة اخرى للهداية دون ان يعلم الغيب ، و انه لا أمل فيهم أبدا ، ولذلك فهو أواه ، بيد انه يسلم لله الأمر و ينيب الى ربه و لا يجعل الدعاء اذا لم يستجب سببا لعدم رضاه من الله فهو إذا منيب .

[76] و لأن ابراهيم منيب تجده يعود عن قراره بطلب الخلاص لقوم لوط ، و ذلكحين قال له ربه :

[ يـا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك و إنهم ءاتيهم عذاب غير مردود ]فما دام الأمر لم يصبح جديا و محتما يجوز ان يسعى الفرد لتغييره ، بالعمل او بـــالدعاء ، و أما اذا قضى الله أمرا فلا يمكن تغييره .


في ضيافة لوط (ع) :

[77] و انتقل رسل الله من عند ابراهيم (ع) الى بيت لوط (ع) ، و حدثت هناك المفاجأة الثانية حيث ضاقت الأزمة لتنفرج ، و اشتدت لتحل .

[ و لما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم و ضاق بهم ذرعا و قال هذا يوم عصيب ]ان لوطا (ع) حسب ان هؤلاء الرسل الذين جاؤوا اليه في صورة فتية حسان الوجوه ، حسبهم انهم ضيوفه و كان قومه يفعلون الفاحشة بالضيوف ، لذلك استاء منهم و ضاق ذرعا بحضورهم ، و رأى ان ذلك اليوم شديد عليه ، و انه لا حيلة له في عمل شيء ابدا ، لأنه و حيد بين قوم طغاة لا يؤمنون بدين ، و لا يدينون بشرف .

[78] و لما رأى قومه الفتية اسرعوا الى بيت لوط (ع) ليفعلوا ما اعتادوا عليه من الفاحشة ، و دعاهم لوط (ع) الى ترك الشذوذ الجنسي و العودة الى سنة الله في الحياة بالزواج من البنات .

[ و جاءه قومه يهرعون إليه ]

أي يسرعون الى بيته .


[ و من قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ]قالوا : بأن لوطا (ع) طالبهم بزواج البنات من امته و هن بناته بالأبوة الروحية و الرسالية ، كما قالوا : بانه عرض عليهم بناته ليتزوجوا منهن ، و كان ذلك العرض السخي من اجل نهيهم عن المنكر ، باي وسيلة ممكنة .

[ فاتقوا الله ]

و هكذا أمرهم بتقوى الله ، و ترك العادة السيئة ، بعد ان اوضح لهم الطريق السوي لأشباع الشهوة الجنسية ، و طالبهم لوط برعاية الشرف .

[ و لا تخزون في ضيفي ]

فان لم يكن لكم دين فلا اقل من التمسك بالعرف الذي ينكر طبيعيا اغتصاب الضيوف .

[ أليس منكم رجل رشيد ]

[79] و كان جواب قومه بالغا في الميوعة و الرعونة .

[ قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق ]

أي فيما يتصل بقضية البنات ، لابد أن نتزوجهن و الزواج حق نعمل به و نمشي على هداه ، أما الآن فنحن نريد تلك اللذة التي لا توجب علينا تكاليف و مسؤوليات .

[ و إنك لتعلم ما نريد ]


ربما كان قوم لوط قد استصعبوا قوانين الزواج على أنفسهم ، مما دفعهم إلى إشباع الغريزة بالشذوذ ، و ربما كان لوط يدعوهم الى التخفيف من قيود الزواج مما قد يدل عليه قوله عليه السلام : ( هؤلاء بناتي ) و قولهم : ( ما لنا في بناتك من حق ) .

[80] و قطع لوط أمله منهم ، و استبد به اليأس من كل شيء ، و قال بكلمات تتفجر أسى .

[ قال لو أن لي بكم قوة أو آوي الى ركن شديد ]

تمنى لو كانت لديه قوة قادرة على مواجهتهم ، أو كانت لديه عشيرة تمنعه منهم .


أليس الصبح بقريب :

[81] هكذا اشتدت الازمة و ضاقت عليه المشكلة ، و عندها ترجى رحمة الله ، و هكذا اظهر الضيوف الذين حاول الجاهليون الاعتداء الخلقي عليهم ، اظهروا واقعهم و بينوا أنهم ملائكة الله .

[ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا اليك ]

و جاءت الاوامر متلاحقة صارمة :

ألف : [ فأسر بأهلك بقطع من الليل ]

بعد أن يسدل الليل ستاره و يذهب ردح منه و تهجع العيون ، و تأوي النفوس الى مضاجعها .

باء : [ و لا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ]لا ينظر الى ما وراءه ليعرف كيف سيكون حال قومه ، بل يبقى منفصلا عنهمنفسيا لكي لا يشاركهم العذاب ، و لذلك أصاب امرأة لوط ما اصابهم من العذاب بسبب انتمائها النفسي و القلبي إليهم .

ثم جاء الأمر الالهي الصارم على لسان الملائكة .

[ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ]

[82] ماذا صنع الله بقوم لوط ؟

لم يفعل بهم إلا ما فعلوه بأنفسهم . انهم غيروا سنن الله ، و حولوها عن وضعها العادي فاذا بهم يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فقلب الله مدينتهم على رؤوسهم تنكيلا .

[ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها ]

و انهم لم يقبلوا وصايا الله ، و مواعظ الانبياء التي تستمطر الرحمة ، فاذا بهم يتعرضون لعذاب الله الشديد يمطر عليهم من السماء بدل البركات .

[ و أمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ]

ربما يكون معناه الحمم المتلاحقة و كأنها منضودة بما يشبه حجارة البراكين المتفجرة ، و الله أعلم .

[83] و قد قدر الله تلك الحجارة لمثل هذه الطائفة المنحرفة ، و كأنها قد وضعت عليها علائم خاصة تقول هذه لهؤلاء .

[ مسومة عند ربك و ما هي من الظالمين ببعيد ]


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس