فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس


بينات من الآيات


و لا تركنوا إلى الذين ظلموا :

[113] ليس الظالم وحده مجرم في المجتمع . بل الساكتون عنه ايضا مجرمون ، و المتعاونون معه شركاء في الظلم ، و الله سبحانه ينهانا عن الركون الى الظالمين بالمودة القلبية ، و تقديم المشورة الفكرية لهم ، او طاعتهم و دعمهم ماديا ، لأن كل ذلك سوف يسبب في اشتراكنا معهم في الجريمة ، و بالتالي نيل نصيبنا من العذاب الذي اذا جاء عم الجميع .

[ و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ]

و الركون ضد النفور و هو السكون الى شيء ، و الأعتماد عليه عن رضا . لذلك يجوز السكوت عن الظالم ظاهرا ، تحينا للفرصة المناسبة للأطاحة به .

[ و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ]

ان المجتمع الذي يسكت عن الظلم ، او يسكن الى من يمارس الظلم بحقه لا يجد وليا و لا نصيرا لا في الأرض و لا في السماء ، فلا الله ينصر هذا المجتمع الراضي بالظلم لأنه يأمره بالتمرد على الظالمين ، و لا أولياء الله الذين ينتظرون تحرك المستضعفين ضد الظلمةحتى يتدخلوا الى جانبهم أما ان يحاربوا بديلا عنهم فلا و لا كرامة .


و استعينوا بالصبر و الصلاة :

[114] و لكي نقاوم اغراء السلطة و الثروة اللتين يعتمد عليهما الظالمون ، و نقاومضغوطهما الشديدة ، و لكي تبقى نفوسنا صامدة امام تضليل الظالمين ، و نمتلك ثقة بقدرتنا على تحديهم ، بل و ايضا لكي نستعيد ثقتنا بأنفسنا بعد ان ضيعها الطغاة باعلامهم و ارهابهم ، و نكفر عن الذنب العظيم الذي ترتكبه عادة الجماهير المستضعفة ، و هو يأسهم من روحالله ، و تأليههم للطغاة الظالمين ، و اعتقادهم بأنهم لا يقهرون . لكل ذلك لابد ان نستعين بالصبر و الصلاة . كما قال ربنا سبحانه في سورة البقرة : " و استعينوا بالصبر و الصلاة و انها لكبيرة الا على الخاشعين " ( 45 / البقرة ) .

ذلك لان الصلاة تربط العبد بربه وتعطيه الطمأنينة و تحفظه عن السيئات .

[ و أقم الصلاة طرفي النهار ]

اي الصباح قبل طلوع الشمس ، و بعد انبلاج الفجر الذي هو اول النهار ، و ايضا بعد الظهر حين يصلي المسلم صلاتي الظهر و العصر .

[ و زلفا من الليل ]

اي بعد ان يمضي وقت من الليل ، و هي صلاة المغرب و العشاء اللتين قال عنهما رسول الله (ص) :

" المغرب و العشاء زلفى الليل "

و هكذا يبقى على المؤمن ان يصلي في ثلاث اوقات خمس صلوات كما قال سبحانه في آية اخرى : " أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل و قرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا " ( 78 / الاسراء ) .

و هذه الصلوات تذهب بالسيئات ، فاذا لم يركن قلبك الى الظالم ، و لا اعنته فان صلاتك اليومية سوف تعيد اليك ايمانك المفقود و تذهب بالاثار السلبية الباقية فيقلبك من تأييدك للظالم .

[ إن الحسنات يذهبن السيئات ]

و لكن ليس كل صلاة تذهب بالسيئة ، بل الصلاة التي تتخذ ذكرى و مادة لتطهير القلب من الغفلة . اما الصلاة التي اصبحت عادة ، او الصلاة رياء و سمعة فانها لا تنفع شيئا . لذلك قال ربنا :

[ ذلك ذكري للذاكرين ]

و جاء في الحديث المأثور عن النبي (ص) عن معنى الأية :

" أرجى آية في كتاب الله [ و أقم الصلاة طرفي النهار .. ]ثم قرأ الآية كلها ثم قال لعلي (ع) :

" يا علي ! و الذي بعثني بالحق بشيرا و نذيرا إن احدكم ليقوم من وضوئه فتتساقط عن جوارحه الذنوب ، فاذا استقبل الله بوجهه و قلبه لم ينقلب و عليه من ذنوبه شيء . كما ولدته امه ، فان اصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك من عد الصلوات الخمس ، ثـــمقال : يا علي ! انما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب احدكم . كما يظن احدكم لو كان في جسده درن ، ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات ، اكان يبقى في جسده درن ؟ فكذلك و الله الصلوات الخمس لأمتي " (1)[115] و كما أن الصلاة تعطي قدرة على المقاومة ، و حصانة كافية ضد التأثر بسلبيات النظام الفاسد ، فكذلك الصبر و تحمل الصعاب . انتظارا للمستقبل حيث لا(1) نور الثقلين ج 2 ص 401


يضيع الله اجر المحسنين ، و هذا هو جوهرالصبر . حيث ان الثقة بأن العمل الصالح يستتبع الجزاء الحسن عاجلا ام آجلا تسلي النفس عن الشهوات و على الصعوبات .

[ و اصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين ]

[116] و المقاومة تهدف - فيما تهدف - ايجاد مجموعة من المؤمنين يكونون تيارا رافضا للأنظمة الفاسدة ( حنيفا مسلما ) .

[ فلو لا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض ]اي لم تبق الا مجموعة باقية لم تفسد من ابناء المجتمع . لان عملهم كان هو النهي عن الفساد ، و مقاومة الأنحراف .

[ إلا قليلا ممن أنجينا منهم ]

لقد كانت هنالك فعلا مجموعة بسيطة من هؤلاء انجاهم الله سبحانه ، بينما اهلك الله الاخرين .

[ و أتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه و كانوا مجرمين ]كيف فسد الظالمون ؟

لقد اغتروا بتلك النعمة التي وفرها الله لهم ، حتى اتبعوا مسيرة تلك النعمة ، و ضيعوا انفسهم ، و توحي هذه الآية بأن فساد الناس بالنعمة إنما يتم بسبب ظلم الناس لبعضهم البعض ، و تقدمهم على صفوف الآخرين ، كما ان نوع الفساد يرتبط بنوع النعمة المتوفرة لديهم ، ففساد الثروة غير فسادة القوة أو فساد العلم ، و الفساد يؤدي الى الجريمة و هي الأعتداء الصارخ على حقوق الناس ، و الانتهاك العلني للقيمو الحرمات .

[117] و حين يعم الفساد يهلك الله القوي ، و لكن اذا تحركت اولو بقية من أهل القرى في طريق الصلاح ، فان الله سيرحمهم .

[ وما كان ربك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون ]

أما اذا فسدت القرية الا قليلا ممن عصمهم الله فان الله سوف ينقذ هؤلاء ، ثم يهلك الآخرين ، كما فعل بعاد و ثمود .


فصل: الاول | قبل | بعد | الاخير | الفهرس