و تحقق الحلم [99] جمع يعقوب أبناءه و امتعته و ساروا الى مصر حيث الملك العادل . فاستقبل يوسف عند المدينة أبويه يعقوب . و زوجته التي خالته . و راحيل امه الحقيقية . [ فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه و قال ادخلوا مصر إن شاء الله(1) نور الثقلين ج 2 - ص 466 - رقم 197 آمنين ] ان أعظم نعم الله على أصحاب المدن هو الأمان . و الابتعاد عن الحر و البرد و الحيوانات الضارية . و الغزو و النهب و ما أشبه . [100] أما أبواه فقد إستقرا عند يوسف على عرش الملك . بينما سجد الجميع لله شكرا لهذه النعمة . [ و رفع أبويه على العرش و خروا له سجدا ] قال بعضهم إن السجود كان باتجاه يوسف فعلا و لكنه لم يكن بمعنى الوقـــوع الى الارض . انما الانحناء التام احتراما لمقام الملك . و الاكرام يجوز . فيما تحرم العبادة اذ ان الحرام هو تقديس احد و رفعه الى مستوى الالوهية . سواء كان ذلك عن طريق السجود له اوالطاعة المطلقة له أو حتى رفع اليد ، فحتى رفع اليد اذا كان إشارة الى ان صاحبه إله . فهو حرام و شرك .. و أما لو كان الاحترام بهدف الاكرام لا التقديس ، و اذا كانت الطاعة بهدف عبادة الله و الخضوع لامره بطاعة ولي الامر . فـــان السجود امامه . لا يكتب حرمة . إلا اذا كان السجود بذاته رمزا للألوهية كما الحال بيننا نحن المسلمين . و إن كثيرا من الشعوب ينحنون الى حد الركوع أو أكثر تحية للقاء بينهم . و لا يعني ذلك أبدا معنى الاعتقاد بألوهية من يفعلون أمامه ذلك .. و بالتالي لا يحرم عليهم ذلك بينما يحرم علينا لان الركوع قد تحول بذاته الى رمز للعبادة ، و اختص به الله . و حين فعلأخوة يوسف أمامه ما فعلوه التفت يوسف الى أبيه . [ و قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل ] فالشمس و القمر هما والداه ، و الأحد عشر كوكبا هم أخوته الذين سجدوا أمامهجميعا . و هكذا جعل ربنا تلك الرؤيا حقيقية . بينما كان من الممكن لو لم يوفر يوسف شروط تحقيقها في نفسه و بسعيه و حسن إختياره إذا بقيت حلما و أماني . [ قد جعلها ربي حقا و قد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ]ركز حديثه على مرحلة السجن لأهميتها و لبعد المسافة بين السجين المتهم بجريمة شرف و بين الملك العزيز الذي بيده كل شيء . [ و جاء بكم من البدو ] أي من حياة الصحراء الى العيش بمصر . حيث المدينة . [ من بعد أن نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي ] أي أفسد العلاقة بيني وبين اخوتي . ثم اكد ان أمر الله ينفذ برفق بين ثنايا الحياة كما الماء في مسارب الرمال . بحيث لا يعرف احد كيف تم التحول . [ إن ربي لطيف لما يشاء ] حيث أن تدبيره يوغل برفق و من دون صخب أو صعوبة بين صخور الحياة دون أن يقدر أحد على الوقوف أمامه . [ إنه هو العليم الحكيم ] فبعلمه سبحانه أحاط بسبل الحياة . و بحكمته أجرى تدبيره عبرها حتى النهاية . [101] في عزة قدرته و ملكه لم يغفل يوسف عليه السلام ربه . و لم ينس أنه هو الذي آتاه الملك ، وان ما عنده جزء من الملك الأكبر الذي يملكه الله سبحانه فخوله إياه . كما ان علمه جزء مما عند الله .. و بالتالي فانه بحاجة الىربه ليأتيه المزيد من الملك . ويعلمه المزيد من تأويل الأحاديث . [ رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث ]ان نشوة الانتصار لم تدع يوسف الى الانتقام لايام الذلة و العذاب . حيث ألقــي في الجب ، و حيث وجد نفسه عبدا يتبادله الناس بثمن بخس دراهم معدودة . و حيث تسجنه امرأة العزيز زورا ، و يعاني في السجن الأمرين ذلك لان قلبه كان عامرا أبدا بنور الله فلم يصببعقدة النقص و الانهيار و السلبية . كما لم يصب بالغرور و الفخر لانه كان يعلم ان الشر و الخير فتنة ، و ان البلاء رحم العظمة و قد تكون النعمة سبيل الهاوية . كما كان يؤمن بان الحياة الدنيا بما فيها من خير وشر . قنطرة الى الآخرة التي هي الحيوان لذلك لم ينس تفاهة الدنيا بخيرها و شرها ، بسجنها و ملك مصرها ، لذلك قال . وهو يدعو ربه . [ فاطر السموات و الارض أنت ولي في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين ]ان الهـدف الأسمى للانسان ينبغي ان يكون الاستمرار على خط الاسلام حتى الموت . و من ثم ان يحشر مع الصالحين . [102] و هكذا انتهت قصة يوسف يوحيها ربنا على قلب الرسول ، و يعلمنا بأدق التفاصيل فيها و بعدها ، و كيف ان المكر لا ينفع صاحبه ، و انه لا يحيق المكرالسيء إلا بأهله . [ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك و ما كنت لديهم إذ أجمعــوا أمرهم و هم يمكرون ]و في الدروس القادمة . نجد المزيد من عبرة هذه القصة الحكيمة . |
|